الأدب والتاريخ

عيون عربية تستمرّ في “القتل” رغم تفشي كورونا.مقال للمتألقة.عهد فاضل (العربية نت)

تأثيرات الفيروس المستجد كورونا، انعكست على مختلف نواحي الحياة، في العالم، وكان أشدها على الاقتصاد الذي انكمش إلى حدود وصفت بالخطيرة، اضطرت معها دول العالم، إلى التخفيف من قيود الإغلاق، ذلك أن التعايش مع “كورونا” في الفترة الجارية والقادمة، أصبح القرار الذي تتجه غالبية دول العالم لاتخاذه، مع الأخذ بعين الاعتبار، جميع إجراءات السلامة.

ويشار إلى أن أشهر إجراء سلامة بمكافحة كورونا، يتمثل بالكمّامة، للحد من احتمال التقاط الفيروس المتطاير. وأدى ارتداء الكمامة على الوجه، إلى شبه اختفاء لهوية الأشخاص، بل إن الهواتف النقّالة التي كانت تفتح، عبر ما يعرف ببصمة الوجه، فشلت باستعمال تلك التقنية، بعدما أدت الكمامة إلى إخفاء هوية لابسها. وعمدت بعض شركات الهواتف النقالة لإجراء تحديث سريع، كمحاولة لإنقاذ أصحاب هواتفها وجعلها تفتح، عبر خاصية بصمة الوجه، حتى مع وجود الكمّامة.

الملاحة في الفم والجَمال في الأنف

تخفي الكمّامة النصف الأسفل من الوجه، شاملة الأنف، والفم، والذقن، ولا يظهر والحالة هذه، سوى العينين. ومن المرويات العربية عن الجَمال، ويتفق عليها في جميع المصنفات وكتب الإخباريين، أن الظرف في اللسان، والحلاوة في العينين، والملاحة في الفم، والجَمال في الأنف.وتنسب المقولة المذكورة، إلى فحول العربية، كالأصمعي، أو ابن الأعرابي الذي منحه “لسان العرب” حقوق ملكية نقل هذه المقولة.

تخفي الكمّامة، وبالرجوع إلى المقولة العربية عن الجَمال، ملاحة الفم، وجَمال الأنف، فيما تتكفل إجراءات الوقاية من كورونا، بنسف الأجزاء المتبقية. فحلاوة العين، لن يمكن الوثوق منها، ولن تصبح موضعاً للتغزل في الشعر، بعدما صار من إجراءات الوقاية من التقاط كورونا، تغطية العينين، بمجموعة مختلفة من الصادّات، كالنظارة أو القناع الزجاجي الطويل الذي يكفي وجوده على الوجه، لإنهاء احتمال فكرة التغزل، شعريا. كذلك، الظُّرف في اللسان، هُدّد بسبب التباعد الاجتماعي البالغ الآن، مترين، ما بين شخص وآخر. إلا أن الكمامة، أخفت ملاحة الفم، كليا، بحسب المقولة العربية القديمة التي وضعت الجَمال، أيضا، بالأنف، ولم يعد يرى الآن.

لحم ودم ومقبرتان!

الأنف عند العرب، ليس مجرد عضو يقوم بوظيفة، فمنه الأنفة والرفعة، وعبره نقرأ شم الأنوف، مدحاً وتعظيماً. حتى كلمة “الخطم” التي من معانيها الأنف، فهي كانت تقال للسباع، ثم استعيرت للناس. والأنوف يقال لها المخاطم. وكذلك الخشم، هو من الأنف، ويشار به إلى أقصى الأنف، ما يعطيها مزيدا من معاني الرفعة والسمو. إلا أن ملاحة الفم وجَمال الأنف، كانا الضحيتين المباشرتين، للكمّامة، فيختفيان، كلياً.

ويتغزل الشعراء بالفم، ومن أشهر ما نقل في هذا السياق، ما قاله الشاعر اللبناني أمين نخلة 1901-1976م في قصة شهيرة عندما أعجب بإحدى الموظفات: أنا لا أصدّق أن هذا الأحمرَ المشقوقَ فَم بل وردةٌ مبتلّةٌ حمراء، من لحمٍ، ودَم!

وكان الشاعر السوري نزار قباني 1923-1998م، يقول في الشفتين: شفتان مقبرتان، شقّهما الهوى، في كل شطر أحمر، تابوت.

بل من النساء العربيات الشاعرات، من مجّدن في ثغرهن وهو من أسماء الفم، ودافعن عنه، علناً، كما في قول مهجة بنت التياني القرطبية، من أهل المائة الخامسة، هجريا، بحسب الإمام السيوطي 1445-1505م في كتابه “نزهة الجلساء في أشعار النساء” إذ تقول: لئن جَلت عن ثَغرها كل حائم
فما زال تُحمى عن مطالعها، الثُّغرُ
فذلك تحميه القواضب والقنا
وهذا حماهُ من لواحظها، السِّحرُ!
العيون لا تزال تقتل وتصرع!

يبقى من مقولة الجَمال العربي القديمة، بعد مجابهة آثار كورونا، الظُّرف الذي وضعه العرب في اللسان، أي القول. ومن هنا، يستعمل الآن، قول “فلانٌ ظريف” وترتبط بما يقوله، وأصلها في التعريف العربي بأن الظُّرف للسان، لكن في ظل التباعد الاجتماعي والذي توصي به بعض الجهات الدولية ليكون مترين بين الشخص والآخر، سيكون على هذا الظرف مهمة عسيرة للتعبير عن ظُرفه، فقد يضطر للصراخ ورفع الصوت لإيصال محتوى ما يريده، وهذا سيطعن مباشرة، بالظرف نفسه. إذن، سقط اللسان بمجابهة كورونا، هو الآخر، مع الفم والأنف.

ووضع العرب الحلاوة، على العين، وهي الجزء الأكثر حضورا في الوجوه بعد ارتداء الكمّامة، خاصة وإذا لم يكن الوجه محصناً بدرع بلاستيكي، أو نظارات صادّة. والعين التي تمتلك أكثر من مئة معنى في اللغة العربية، بحسب “تاج العروس” هي موضوع تغزل مشهور، في الشعرية العربية.

وبحسب الشاعر العربي جرير، فإن عيون النساء “تقتل” و”تصرع” وهي ما تبقى الآن، لهنّ، بعد ما فعلته الكمّامة من إخفاء حاد لملامح الوجوه وفي جميع بلدان العالم. يقول جرير: إن العيونَ التي في طرفها حَوَرٌ
قتَلْنَنا، ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به
وهُنّ أضعف خلق الله أركانا!

والخاصية “القاتلة” لعيون النساء، بحسب جرير، ستحافظ على ما تبقى من المقولة العربية القديمة والتي في ما تبقى منها أمام كورونا، وصفت العين بالحلاوة، بعدما أخفت الكمّامة الكورونية أهم ركنين فيها، وهي الملاحة في الفم، والجَمال في الأنف، وبعدهما، الظرف في اللسان.

ابو ناصر الغامدي

خبرة 22 عاما في التحرير و الصياغة الشرعية و النظامية لجميع الدعاوي

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x