ما بين جابيها وباب بريدها *** قمر يهل وألف بدر يطلع
هذا الشعر كان مكتوباً على عواميد باب الجابية في دمشق ولكن العواميد اختفت:
عرج ركابك عن دمشق فإنها *** بلد تخر له الأسود وتخضع
ما بين جابيها وباب بريدها *** قمر يهل وألف بدر يطلع
مبدعها هو حسين بن أحمد الورنلي الملقب بالساعاتي
(1858م ـ 1933م)
هو المرحوم حسين بن احمد بن عثمان الورنلي، وأصل هذه الأسرة من بلدة (وارنة) الواقعة على ساحل نهر الدانوب التي كانت فيما مضى من ممتلكات الدولة العثمانية، ثم نزحت واستوطنت بلدة الرشيد في مصر، ولد المترجم له سنة (1858م) في الرشيد وفي سنة 1893م زار دمشق سائحاً متفرجاً فطابت له الإقامة فيها وبقي اربع سنوات بلا عمل، وبعدها تعاطى مهنة بيع الساعات ومن هنا لقب بالساعاتي، ومن الطريف ان القصيدة المشهورة (ما بين جابيها وباب بريدها قمر يغيب والف بدر يطلع) كانت سبب افتتانه بمناظر دمشق الخلابة وشغفه بزيارتها وسكناها.
تعلقه بالفن:
كان رحمه الله ذا صوت جميل وعلى جانب كبير من الذكاء والنجابة، وانساقت مواهبه مع ميله واستعداده الفطري فتعلم العزف على آلة القانون على المرحوم محمود الكحال العازف الشهير، واسعده الحظ فتعرف على أبي خليل القباني الذي كان ذا فراسة بانتقاء اعضاء فرقته ممن برزت مواهبهم فأخذ عنه علم النغمة والموشحات واوزانها وفن التمثيل، فكان ممثلاً بارعاً ومنشداً مطرباً عليماً بأوزان رقص السماح وعازفاً ماهراً على آلة القانون في فرقة القباني المشهورة، ولما حلت النكبة الأولى في مسرح القباني بدمشق كان في عداد من سافر معه إلى مصر في الباخرة التي كان ارسلها الوجيه الحمصي المرحوم سعد الله حلابو إلى بيروت لنقل فرقة القباني وكان عدد اعضاء الفرقة يزيد عن الخمسين فرداً، وكان المترجم له من افراد هذه الفرقة التاريخية وكان من جملة من رافقوا القباني إلى معرض شيكاغو في الولايات المتحدة سنة 1892 م.
وفاته:
وفي سنة 1933م انتقل إلى رحمة ربه ودفن بمقبرة باب الصغير.
يقول عبد الرحمن السامي عن دمشق: “الهيئة الاجتماعية في هذه المدينة على حالة حسنة رضيّة، فإن الناس على اختلاف مذاهبهم وشدة تمسكهم بأديانهم، يعيشون مع بعضهم بالتودّد والألفة. ويطبّقون سلوكهم على مبادئ الحب والسلام، ويتعاملون بالحُسنى. وقد ازداد ذلك بينهم توثّقاً بعد حوادث سنة 1860”. اقرأ أيضاً: وباء العصبية وإن شاء الله، تعود التجربة كما كانت، بعد هذه الانتكاسة التي تحصل في سوريا الآن. لقد كانت حوادث 1860 نقطة سوداء في تاريخ مدينتهم. لكنهم لم يعودوا الآن ينظرون إلى اختلاف الدين، بل إلى جامعة الوطن ووحدة التبعة. وكلهم عالم بأن سعادته وراحته موقوفتان على إخلاصه لدولته وأخيه في الوطنية. ولذلك كنا نرى لسان حال كل منهم يقول: “إذا اختلفت مذاهبنا، فإن الحب جامعنا”. واما في مجتمعاتهم العمومية والخصوصية، فلا ترى الناس إلا برباط الوداد و + ة، يحترمون بعضهم بعضاً. وكل يراعي أحاسيس أخيه بما يدل على أدب صحيح وتمدّن اكيد. ولذلك لا ينجم عن اجتماعهم، حتى ولو اجتمع ألوف من الخلق، مخاصمات وقلاقل، وإن حدث في بعض الأحيان شيء، فذلك إفرادي لا عبرة له. وهو مما لا تخلو منه مدينة من أعظم مدن العالم تمدّنا وحضارة. يتفاوت الناس في دمشق ثروة ومعرفة، إلا أنهم يتساوون جمالاً وظرافة. فالجمال وُزّع بينهم توزيعاً عادلاً، فكان في جميع مراتبهم وطبقاتهم على السواء. وقد زاد رونق جمالهم في نظافتهم ولطف طباعهم. دمشق وفي الإجمال، إنهم يُحسبون بطبقة عالية من الجمال بين الشرقيين. وقد حسبهم أهل السياحة مثال الجمال الشرقي، حيث قالوا: ونساؤهم أجمل من رجالهم. وكثيرات من غير الفتيات منهن يشتغلن في مهن النساء لمشترى ملابسهن، بدليل ما كان مكتوباً على باب البريد، وهو من أشهر أسواق دمشق: عرّج ركابك عن دمشق فإنها بلد/ تذلّ له الأسود وتخضعُ ما بين جابيها وباب بريدها/ قمر يغيب وألف بدر يطلعُ أما أخلاق الدماشقة بالإجمال فحسنة رضيّة. وهم يوصفون بالكرم واللطف ويميلون إلى السلامة والتودُّد، ويحبون الانشراح والسرور. وهذه الميول نجدها بكل طبقاتهم ومراتبهم متأصلة. ولذلك نجد الوقائع قليلة في هذه المدينة. ومعظم حوادثها تجري خارج المدينة، بين بعض الرجال الطُغمة الذين يسمونهم (معتَّرين). وهؤلاء الرجال، فوق ما عليهم من الشدّة، يتصفون بالمروءة والإنسانية. (من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)
عن شبكة شام