مقال..أعجبني *الرؤية في زمن كورونا*
بقلم : د. عبدالله آل مترك. صحيفة المواطن
يوم بعد آخر، تثبت رؤية المملكة 2030 أنها كانت المنقذ الوحيد للاقتصاد السعودي من التراجع، وربما الانهيار، أو يمكن القول إنها بمثابة خارطة طريق لإعادة الكثير والكثير من المفاهيم الاقتصادية الخاطئة، التي إن تُركت على ما كانت عليه، لكانت المملكة دخلت نفقًا مظلمًا. تتذكرون معي الهدف الأساسي الذي ركزت عليه الرؤية، عندما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تفاصليها قبل ما يلامس أربع سنوات مضت، إذ أكدت أنها تعتزم بناء اقتصاد حقيقي وقوي، بعيدًا عن دخل النفط، عندها تساءل الكثيرون في الداخل والخارج، كيف للمملكة أن تستغني عن دخل النفط، وهي التي ظلت لعقود عديدة تبيعه للعالم وتنفق من دخله على الجميع؟! وتساءلوا أيضًا: ماذا لدى المملكة غير السياحة الدينية والنفط لكي تراهن عليه في دعم اقتصادها؟ وجاءت الإجابة جاهزة في ثنايا الرؤية التي وعدت باستحداث قطاعات أخرى تدعم مسيرة الاقتصاد السعودي، وتبقيه في قمة اقتصادات الشرق الأوسط، وضمن أبرز 20 اقتصادًا في العالم، وتكون بديلًا للنفط، وقد أوفت بوعدها، فرأينا خططًا لانتعاش السياحة غير الدينية، والارتقاء بصناعة الترفيه، وتطوير الزراعة ودعم الصناعة، والدخول بشهية مفتوحة لقطاع التقنية، وتحديث صناعة الطاقة بجميع أنواعها.
قد تكون شهادتي في الرؤية مجروحة، ولكن في زمن “كورونا الجديد”، كل شيء انكشف على حقيقته، اليوم ينكمش الاقتصاد العالمي، ويتراجع النمو، ومن الطبيعي جدًّا، بل ومن المنطقي أن تنهار معه أسعار النفط، وقد حدث وهبطت إلى أدنى مستوى لها منذ العام 1991، وتصل إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل، فماذا كانت ستتعامل المملكة مع هذا المشهد المخيف، لو لم يكن لها رؤية أوقفت الاعتماد على دخل النفط؟! أقول وبكل صراحة: لولا الرؤية لكنّا نعيش اليوم أزمة اقتصادية طاحنة، ولكنّا وجهنا بوصلتنا صوب صندوق النقد الدولي، نترجاه أن يمنحنا قرضًا ببعض المليارات من الدولارات، ولكنّا أعدنا النظر في ترتيب أولويات المشاريع لدينا، في تقديم ما يجب إنجازه وما يجب تأجيله. بالطبع لا أدعي أن صانعي الرؤية كانوا يعلمون الغيب، أو أنهم يدركون أن كورونا كان سيطل برأسه على العالم بهذه الوحشية، ولكنهم كانوا يستشرفون المستقبل بعيون خبيرة، ترى ما لا يراه الآخرون، هم استشعروا خطر الرهان على النفط أكثر من اللازم، وتأكد لهم أن هذه السلعة بقدر أهميتها للتنمية في العالم، بقدر أنها خادعة ومتذبذبة ومتقلبة وليس لها أمان، هذه النظرة كنا نفتقدها قبل الإعلان عن الرؤية، حيث كنا مستسلمين تمامًا لمبدأ “الاقتصاد الريعي” الذي لا يخرج عن دائرة النفط. أقول وأكرر ما سبق أن ذكرته سابقًا، بأننا مدينون لهذه الرؤية بالكثير، فالإنسان الذي لا يملك رؤية في حياته هو جاهل، والدول التي ليس لديها رؤية للمستقبل، مصيرها الفناء، ونحمد الله أن رؤيتنا التي انطلقت في الوقت المناسب، إذ جاءت في زمن نتمتع فيه بالقوة والمنعة، واليوم في زمن كورونا وزمن انهيار أسعار النفط نتمتع بنفس القوة والمنعة.