لا.. لم تحكموا بالعدل يا فخامة الرئيس
كتب رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في حسابه بتويتر تغريدة أشاد فيها بتاريخ الدولة العثمانية، نفى عنها ارتكاب أية مظلمة على الشعوب التي حكمتها ضمن جغرافية واسعة جداً؛ حيث قال: «ولم يكن هناك ما يخجل في تاريخها لأنها حكمت بالعدل» معللاً شيوع الفوضى الآن والخراب والقتل وفقدان الأمن في المناطق التي كانت تحكمها الدولة العثمانية سابقاً بغياب سلطة الدولة عنها، ويعني بذلك البلدان التي عمّها خراب ودمار فوضى ما سُمي بالربيع العربي كمنطقة الشام والعراق واليمن وليبيا؛ إذ كانت هذه الدول من الممالك العثمانية إبان عز سطوتها وتمدد نفوذها، وكأن أردوغان يعد شعوب هذه الدول بعودة الاستقرار والأمن والبناء والتحضّر بهيمنة خلافة عثمانية جديدة يسعى إلى استعادتها مرة ثانية لتستعيد تركيا تلك الدورة التاريخية التي أفلت وطواها الزمان، وهي أضغاث أحلام دون تحقيقها خرط القتاد ودماء شهداء أحرار العرب الذين عانى أجدادهم الأمرين من وطأة واستبداد وجبروت وبطش الأتراك ثم ضحوا لطرد الغزاة وقدَّموا دماءهم فداءً لنيل الحرية وهزيمة المعتدي التركي في نجد والحجاز وعسير والحجاز وقطر ولبنان وسوريا طوال أكثر من مائة عام سالت فيها دماء الشهداء على أراضي البطولات لتكتب نصراً للإباء العربي واندحاراً وذلاً للغازي التركي الهمجي.
أي عدل وأي فعل لا يُخجل ومخازي الاحتلال التركي للشعوب العربية وغير العربية يعجز المؤرّخون عن ملاحقتها وتدوينها وتوثيق جرائم الأتراك وما زرعوه في ديار العرب والأرمن وأفريقيا وشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط من رعب وألم، وما أراقوه من دماء، وما ارتكبوه من آثام التجويع والحصار والقتل الجماعي للأرمن وللعرب ولكل من طالب بحريته ودافع عن كرامته من الشعوب التي سامها الأتراك سوء العذاب.
أية عدالة وأي إجرام لا يخجل منه التاريخ ولا تشعر أنت بخجل من استعادة فصوله؛ بل تتباهى وتفتخر به؟!
إن كنت تجاهلت أو سعيت إلى استغفال التاريخ فإننا لا يمكن أن ننسى ولا يمكن أن تنسى أجيالنا اللاحقة ما ارتكبه أجدادك في حق أجدادنا، إن الجريمة لا تسقط بالتقادم، ولنا في ذمتكم دماء وأعراض وأموال ومجد هدمتموه بعد أن كان صرحاً شامخاً ومنارة علم وهداية بإسقاط دولتنا السعودية الأولى وقتل قادتها وأمرائها وعلمائها ومواطنيها على امتداد ممالك الدولة، وما ارتكبتموه من خيانة وغدر وتعذيب وتمثيل وسخرية وانتهاك حرمات وحصار وتجويع ومطاردة وإثارة للخوف وللرعب في القرى والمدن، لم تستثنوا نساءً ولا أطفالاً، ولا شيوخاً ولا عجزة، ولم تحترموا عالماً لعلمه ولا إماماً لمكانته ولا معلم قرآن لشرف ما يعلمه أو يحفظه، لقد اعتدى أجدادك الظلمة الذين تفتخر بتاريخهم المشين على الدولة السعودية وأتوا بانكشارية مصر ومواليهم من كل مرتزق أثيم مصطحبين معهم الخمور وعظائم الأمور (انظر تاريخ الجبرتي) بقيادة الغلام المراهق النزق إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا وبأمر جدك المجرم محمود خان الثاني الذي تفتخر وتزهو بآثامه .. يتبع
يا أردوغان:
إن التاريخ النزيه لن يستجيب لشهواتك المستعلية العمياء في طمس حقائقه الناصعة وتغييب أحداثه المأساوية وتناسي موبقات أسلافك سلالة «أرطغرل» الذين تباهي بهم وتسعى جاهدًا بامتطاء كل الموجات والتحالف مع الأبالسة والشياطين والصالحين والطالحين لاستعادة مجد آفل وحكم زائل أسقطته العدالة الإلهية بعد أن عمّ شره ديار العرب والمسلمين.
تزعم أن أجدادك حكموا بالعدل!
فأين هو ذلك العدل في أمر السلطان محمود الثاني (1199- 1255هـ) مولاه على مصر محمد علي باشا بتسيير الجيوش الجرارة لغزو الدولة السعودية الأولى وهدم بنيانها في شبه الجزيرة العربية بعد تنسيق تام مع نابليون بونابرت الذي قام قبل الغزو بسنوات قليلة بحملة على مصر؛ إلا أن مصر لم تكن الغاية الوحيدة؛ بل كانت ثمة غاية أخرى بعيدة؛ وهي -بالإضافة إلى الهيمنة على مصر- تكليف جيش عربي مسلم بأداء مهمة إسقاط الدولة السعودية؛ باعتبارها الدولة المجددة للإسلام والباعثة لمجد العرب، فتلاقى خوف العثماني على سلطانه وقلق الفرنسي من قيام دولة عربية إسلامية في شبه الجزيرة العربية من جديد ربما تتمدد وتتوسع إلى أوروبا في حالة شبيهة بحالة الإمبراطورية العربية الإسلامية الأولى في الدولتين الأموية والعباسية، فقام بتهيئة جيش محمد علي باشا وتدريبه وإمداده بالمؤونة العسكرية وبالخبراء الذين رافقوا الجيش المصري الغازي للدولة السعودية بعد رحيل نابليون عن مصر بسنوات قليلة.
لقد تصالح السلطان العثماني مع غرب أوروبا؛ وبخاصة فرنسا في سبيل الاتفاق على تعاون مشترك لمواجهة الانبعاث العربي الإسلامي في وسط الجزيرة العربية، واستخدم مولاه الألباني محمد علي باشا لأداء تلك المهمة؛ ولكن هذا المولى ليس بقادر وحده على تنفيذ ما أوكل إليه، فجاءت الحملة الفرنسية على مصر تحت عنوان تمدد الهيمنة الفرنسية على حوض البحر الأبيض المتوسط؛ إلا أن غير المعلن هو تهيئة الجيش المصري وتدريبه وتزويده بالآلات العسكرية من مدافع وقنابل وذخائر مختلفة، وبعدما أدت الحملة هدفها رحلت وبقي خبراؤها الذين يحتاج لهم جيش محمد علي باشا المعد لإسقاط الدولة السعودية الأولى.
لقد ارتكب الجيش التركي المصري والمرتزقة معه المجازر بحق أئمتنا وأمرائنا وعلمائنا وأهلنا، وعاثوا فسادا في أرضنا، فقتلوا حفاظ القرآن، ووضعوا العلماء في فوهات المدافع لتمزق أجسادهم بعد تعذيبهم وقلع أسنانهم.
عاهد المراهق الصفيق إبراهيم باشا الإمام الشهيد عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- على الحفاظ على أرواح أهل الدرعية وعدم نهب وهدم بيوتها وإحراقها وقطع نخيلها وأشجارها فسلم المدينة بعد قتال طويل واستبسال يشهد به التاريخ؛ ولكن الباشا المجرم حنث بعهده وارتكب كل الجرائم، ثم اقتيد الإمام عبدالله أسيرا إلى مصر ثم إلى إستنبول مع رفاقه الأبرار وقتلوا شهداء بعد أن مثل بهم ثم صلب الإمام ثلاثة أيام في ساحة أياصوفيا على يد جدك خليفة المسلمين المزعوم محمود الثاني عام 1334هـ. يتبع
فخامة الرئيس أردوغان:
أين عدل العثمانيين الذي تزعم مع العرب وقد احتلوا بلادهم وخربوها واستولوا على خيراتها ونهبوا كنوزها وقتلوا خيرة قادتها وعلمائها وأسروا وعذبوا وعلقوا على المشانق من رفع صوته منكرا جرائمهم وأفعالهم المشينة في حق العرب؟!
لقد قاومت كل المدن والقرى في شبه الجزيرة العربية مظالم واستبداد أجدادك العثمانيين وما لانوا ولا استسلموا لجبروتهم، وضرب أبناء الجزيرة أروع صور البطولات وواجهوا جيوشكم الغازية بشجاعتهم وتضحياتهم في سبيل حماية ديارهم وأعراضهم، وليتك تزور قبور أهلك الترك والانكشاريين والمرتزقة من أتباعهم في عسير والحجاز ومدن وقرى نجد لترى بقايا عظمة موهومة حطمتها بطولات قبائل الجزيرة العربية وداستها تحت أقدامها.
لقد كانت المعركة الباسلة الأخيرة معكم في مدينتي حوطة بني تميم عام 1253هـ والتي طردناكم بعدها مهزومين إلى الأبد من نجد.
كانت معركة الحوطة والحلوة والحريق ونعام التي وقعت في بلدة الحلوة معركة سجلها التاريخ بكلمات من نور؛ حيث واجه مدنيون عزل بسلاح أفراد جيشا منظما مزودا بالمدافع والقنابل والبنادق وآلاف الجنود، وانتهت المعركة بعد كر وفر بهزيمتكم شر هزيمة وقتل 2481 من قادتكم وجنودكم كما يذكر ذلك قائد الجيش المير لواء إسماعيل آغا في خطاباته إلى محمد علي باشا، واستشهد من مجاهدي الحوطة والحريق ونعام 500 شهيد.
ولو عدت إلى كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد» لعثمان بن بشر الذي عاصر وسمع من شهود عيان وقائع غزوكم المشين لبلادنا لوجدت تفاصيل دقيقة عن تلك المعركة الباسلة.
أما في الحجاز فقد ارتكب فخري باشا 1916م ما يندى له الجبين في حق أبناء المدينة المنورة حين أعلن الحجازيون ثورتهم عليكم فحاصرهم فخري وجوعهم وسرق أموالهم واعتدى على ممتلكاتهم وشتت شمل الأسر المدنية وهجرهم إلى الشام وتركيا في رحلة قاسية مريرة بالقطار التركي عرفت بـ»سفر برلك» وسرق معظم الكتب النادرة في المكتبة المحمودية وكنوز الحجرة النبوية الشريفة وخزن الأسلحة في المسجد النبوي.
وارتكب جمال باشا 1916م في الشام ما ارتكبه فخري في المدينة وما ارتكبه إبراهيم باشا في الدرعية وغيرها من مدن وقرى نجد من الأفعال المشينة والجرائم المنكرة؛ فطارد أحرار الشام وعلق رؤوس ستة عشر شهيدا بساحة رئيسة عرفت بميدان الشهداء بدمشق، أما في بيروت فقد شهدت ساحة البرج فصلا مؤلما من فصول جرائم أجدادك الغزاة.
لقد طارد الاستبداد التركي أحرار العرب ومثقفيهم؛ فقتل أجدادك بالسم المفكر الحلبي عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» 1320هـ 1902م في أحد مقاهي القاهرة عن طريق أحد العملاء، والمفارقة أن اسم المقهى كان باسم إستانبول!
أين عدلكم المزعوم؟! لم تبنوا ولم تشيدوا ولم تعمروا ولم تعلموا؛ بل خربتم وهدمتم وجوعتم ومزقتم وعذبتم وقتلتم.
والمؤلم حقا إنكارك وكان الأولى اعتذارك.