كتيبجي……………….
لم تكن الكتابة مهنة محمودة وعاشت الثقافة العربية ولا زالت تعيش وتعتاش على الشفهي أكثر من المدون، وربما تسامع الناس بقصة أول كاتب عربي قطع الخليفة كفه اليمنى وعلقها في رقبته، وللحق أنه عندما كان الكتاب قلة كانت بركة الكتابة كثيرة، وثمرتها نافعة، ومعانيها جليلة، وأثرها أكثر وقعا، واليوم مع تحول الكتابة من قيمة إلى ثمن أو سلعة وكثرة الكتبجية لم يعد لها ذاك الوهج وتلك المكانة إلا ما ندر من كتاب لا يزالون يقرؤون كل صباح (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا).
وقبل الطفرة كان البعض يستغل الإجازة والعطل المدرسية ليسترزق من كتابة المعاريض وكان (المعلم قينان) أحد الدهاة في كتابة معاريض تجعل المسئول يقوم ويقعد كما يقولون ولما كتب ذات مرة معروضا ساخنا تسبب في صفعة قوية طبعت بصمتها في خد متظلم كون المسئول لم يحتمل أسلوب العريضة ولبث المظلوم في السجن بضعة أيام ليعترف بمن كتب له إلا أنه تدروش وقال يا جماعة «كتب لي واحد (كتيبجي) في السوق» فأرسلوا معه شرطيا لإحضاره فدار به في السوق حتى حميت الشمس وانصرفا دون تحقيق المراد.
وكان المتعلمون في منطقتنا نادرين ومن يفكون الخط أندر ما يجعل الناس تتدافع نحو من تسمع عن قدرته على الكتابة ليخط الرسائل ويدون الحجج في زمن الانتاج عندما كان لكل فرد مهنته وحرفته وصنعته دون استعابة أو استرابة. قد تتحول الكتابة إلى جناية على كاتب أو مجتمع أو فئة أو طائفة ومن أعراض الكتابة الممرضة التصحيف إذ أن خليفة من الخلفاء سمع عن زيادة أعداد الشباب في ولاية من الولايات وتراجع في أعداد الفتيات فتحمس الخليفة لتوفير زوجات للشبان من ولاية أخرى فكتب إلى واليه (احص جميع الشبان في ولايتك) وبعفوية من الكاتب وقعت نقطة من الحبر أو المداد فوق حرف الحاء ليتحول إلى خاء ووصلت الرسالة إلى الوالي الذي اجتهد في تنفيذ أمر الخليفة وقضى على تطلعات شريحة عريضة من المجتمع إلى حياة زوجية. وسلامتكم.
نقلاً عن صحيفة “عكاظ”علي بن محمد الرباعي الجمعة 9 محرم 1437هـ – 23 أكتوبر 2015م
0.5