الأدب والتاريخ

عبد الله القصيمي .مفكر سعودي.. مثير للجدل. يرحمه الله. وصديقه الكاتب والمحامي.ابراهيم حمدان. يفتح خزائن أسراره

Abdullah alqassimi.jpg



عبد الله القصيمي (1907 – 9 يناير 1996مفكر سعودي يُعتبر من أكثر المفكرين العرب إثارة للجدل بسبب انقلابه من موقع النصير والمدافع عن السلفية إلى الإلحاد.[2][3] وبسبب مؤلفاته المثيرة للجدل ومن أشهرها العرب ظاهرة صوتية.

ولد عبد الله القصيمي في عام 1907 في خب الحلوة الواقعة إلى الغرب من مدينة بريدة النجدية في المملكة العربية السعودية، جاء مولده في خب الحلوة ليمثل نقطة انعطاف مهمة في تاريخ تلك القرية الغافية لقرون والتي كانت مجهولة حتى من أبناء المدن المجاورة، شأنها بذلك شأن العشرات من الخبوب والقرى المحيطة بمدينة بريدة والتي لا تزال مجهولة وغير معروفة إلى اليوم هذا، نقل ميلاد القصيمي تلك القرية لتحتل مكانةً بارزة في كثير من الحوارات الفكرية التي أشعلها القصيمي على امتداد الوطن العربي، كما أنها حظيت بزيارات عدد من المثقفين والمفكرين الذين وقفوا على أطلالها.

الأسرة

والد عبد الله القصيمي هو الشيخ علي الصعيدي الذي قدم من حائل واستوطن خب الحلوة والذي عرف عنه تشدده الديني الصارم، والذي لم يكفه ما تلقاه من تعاليم دينية في مدينة بريدة لينتقل إلى الشارقة للاستزادة من العلوم الشرعية وللتجارة، أما والدة عبد الله القصيمي فهي وفقاً لرواية الدكتور فيصل بن عبد الله القصيمي، أن السيدة موضي الرميح، التي أنفصل عنها زوجها بعد ميلاد أبنه عبد الله بأربع سنوات تقريباً، ليدعها وطفلها مهاجراً إلى الشارقة، ولكنها سرعان ما ارتبطت برجل آخر من عائلة الحصيني المقيمة في قرية الشقة القريبة من خب الحلوة، ويذكر الدكتور فيصل القصيمي أن لديه ثلاثة أعمام من أسرة الحصيني، قدموا إلى مدينة الرياض واستوطنوها، ولا يوجد منهم أحد اليوم، ولهم أولاد وأحفاد.

ويرتبط عبد الله القصيمي بروابط أسرية مع عدد من الأسر النجدية كأسرة المزيني والمسلم والحصيني والجميعة، وقد ذكر المؤرخ السعودي عبد الرحمن الرويشد أن الشيخ ابن جميعة الذي عمل لدى الملك عبد العزيز هو عم عبد الله القصيمي، وقال المؤرخ إبراهيم المسلم عند سؤاله عن مدى الصلة والقرابة بين الأسرتين فقال:«تجمعنا قرابة وصلة وخؤولة!» ونشرت المعلومة لأول مرة – لأنها معلومات لم يكن القصيمي يفصح بها لكل من التقاه من أدباء وصحافيين وباحثين – كما يقول بذلك أصدقاؤه من أنه لم يكن يتحدث بشؤون الخاصة إطلاقاً، كما أن الشيخ علي الصعيدي قد تزوج بامرأة من الشارقة ومن عمان وأنجب أولاداً هناك، وذكر فيصل القصيمي أنه على اتصال دائم بأبناء عمه في الشارقة ويزورونه بالرياض باستمرار.

نشأ القصيمي فيما بين خب الحلوة والشقة في ظروف سيئة للغاية، فإضافةً إلى فقده لحنان والديه، فقد كانت الأحوال المعيشية سيئة جداً، الأمر الذي دعاه أن يغادر قريته إلى الأبد وهو في سن العاشرة من عمره، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن قرار المغادرة قد أتخذه الفتى بنفسه هروباً من تلك الأوضاع الصعبة يرى الدكتور فيصل القصيمي أن أخوال الشيخ عبد الله هم الذين دفعوه إلى الهجرة بحثاً عن الرزق، وأصروا على مغادرته أمام إصرار والدته، وكانت حجتهم أن يبحث عن أبيه ليطعمه ويكسوه بعد أن ضاقت بهم السبل في تلك الظروف المعيشية السيئة، ركب الفتى عبد الله القصيمي المخاطر مع أول قافلة اتجهت إلى الرياض بعد اتخاذه للقرار الخطير، الذي قاده إلى رحلة طويلة تنقل فيها بين العديد من الأقطار العربية، فما بين مولده في خب الحلوة إلى مدفنه في مقابر باب الوزير بالقاهرة رحلة من البحث الطويل المعيشي بدايةً ثم الفكري، الذي أصبح واحداً من أبرز فاعليه على مستوى الوطن العربي.

في الرياض حيثُ درس القصيمي على الشيخ سعد بن عتيق، تعرف إلى وفد من الشارقة جاء لزيارة الرياض، وكانت المصادفة أن رئيس الوفد صديق لوالده ويعرفه تمام المعرفة، فلاحت في أفقه بوادر أمل في لقاء أبيه، وهذا ماتم على ساحل خليج عمان، إلا أن الدهشة أصابت الفتى الذي كان يتطلع ليس إلى مقابلة والده فحسب، بل إلى ذلك الحنان الذي حُرم منه عشر سنوات، كانت المفاجأة أن والده الذي كان يعمل تاجراً في اللؤلؤ ومتشدداً في تفسيره لكثير من تعاليم الدين الإسلامي قد قابله بشيء من الجفوة والقسوة وفرض عليه أسلوباً في التربية غاية في القسوة.

هذا اللقاء الجاف لا بد وأن يكون له تأثيره اللاحق على حياة القصيمي، يقول القصيمي واصفاً ذلك اللقاء في إحدى رسائله التي بعث بها إلى الأستاذ أحمد السباعي:

   كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب، لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة .. لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة ..   

التعليم

التحق القصيمي في مدرسة الشيخ علي المحمود، ثم توفي والده عام 1922 فتحرر من تلك القيود التي كبل بها وانطلق يواصل تعليمه، فأعجب به التاجر الشيخ عبد العزيز الراشد الحميد الذي أخذه معه إلى العراق والهند وسوريا، تعلم القصيمي بدايةً في مدرسة الشيخ أمين الشنقيطي في الزبير قضاء البصرة جنوب العراق، ويذكر الأستاذ يعقوب الرشيد أنه التحق بالمدرسة الرحمانية بالزبير، ثم انتقل إلى الهند ومكث بها عامين تعلم في إحدى المدارس هناك اللغة العربية والأحاديث النبوية وأسس الشريعة الإسلامية، ثم عاد إلى العراق والتحق بالمدرسة الكاظمية ثم انصرف عنها إلى دمشق ثم إلى القاهرة التي شهدت الميلاد الحقيقي للقصيمي.

أسرة القصيمي

ينتمي القصيمي إلى أسرة الصعيدي وهي أسرة ضاربة بعمق في نجد ومنتشرة بين منطقتي حائل والقصيم، وجاءت التسمية بالصعيدي; في الوقت الذي يرى فيه الأستاذ عبد الرحمن البطحي – مؤرخ مقيم في عنيزة بالقصيم – أن أحد أجداد الأسرة كان يعمل بالعقيلات بين مصر ونجد قبل قرون، فنسب إلى المنطقة التي كان يذهب إليها متاجراً، وهذه عادة منتشرة في العديد من المدن النجدية، ويؤيده في ذلك الباحث يعقوب الرشيد والمؤرخ إبراهيم المسلم، إلا أنه يذكر أن أسرة الصعيدي في حائل وبريدة يلتقون في جدٍ جامع لهم وهو إبراهيم الصعيدي التي ترجع أصوله لقبيلة جهينة وموطن أبيه وأجداده في ينبع النخل، إلا أنه يستطرد قائلاً :«أن الشيخ حمد الجاسر قد بحث المسألة وتوصل إلى نتيجة وهي أن أصول القصيمي من نجد وأن أحد أجداده قد سافر إلى مصر وعاد مرةً ثانية إلى نجد فعرف بلقب الصعيدي!.»

ورداً على سؤال للمحامي عبد الرحمن الذي صاحب القصيمي مدة خمسين عاماً من أن القصيمي لا بد وأن يكون قد تحدث معه في هذه المسألة خلال هذه المدة الزمنية الطويلة، قال :«أبداً لم يحدث أن تحدث معي الشيخ عبد الله في هذه المسألة ولا غيرها، لأنه كان يرفض دائماً الحديث عن كل مسائله الشخصية!.»

حياته العلمية والفكرية

تحت الفلسفة الإسلامية

التحق القصيمي بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1927 ولكنه سرعان ما فصل منها بسبب تأليفه لكتاب البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية رداً على مقالة عالم الأزهر يوسف الدجوي التوسل وجهالة الوهّابيين المنشورة في مجلة نور الإسلام عام 1931. بعدها قام عبد الله القصيمي بتأليف عدة كتب يهاجم فيها علماء الأزهر ويدافع عنفكر المذهب السلفي مثل شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام، الفصل الحاسم بين الوهّابيين ومخالفيهم والثورة الوهابية.

تحت الفلسفة الحرة

بعد هذه المرحلة؛ تغير فكر القصيمي حتى وصل مرحلة وصفه فيها معارضوه بالملحد، ومن أهم الكتب التي ألفها بعد انقلابه على الفكر السلفي كتاب هذه هي الأغلال وكتاب يكذبون كي يروا الله جميلاً، وكتابه الظاهرة; العرب ظاهرة صوتية. في هذه المرحلة، وكنتيجة لكتاباته تعرض القصيمي لمحاولتي اغتيال في مصر ولبنان. وسجن في مصر بضغط من الحكومة اليمنية بسبب تأثر طلاب البعثة اليمنية في مصر بفكر القصيمي لكثرة لقاءاته بهم.

محاولات اغتياله

ويذكر أنه تعرض لمحاولتي اغتيال واحدة في مصر وواحدة في لبنان تدور أحداث التي في مصر أنه كان هناك مقهى يعتاد القصيمي التواجد فيه وفجأه سمع صوت طلق ناري ولم يكن يدري ماذا يحصل ووجد الناس مجتمعين والشرطه ملقين القبض على المطلق وقالت الشرطة أنه يحاول قتلك فقال له لماذا تحاول قتلي يابني فقال لأنك كافر وملحد والعلماء أفتوا بجواز إهدار دمك..

وفي مقالة أخرى عن المحاولة الأولى، أنّه، القصيمي، قد لاقى رجل من الحجاز وسَائَلَهُ عن مسعاهِ في مصر، إلى أن قال الرجل أنّه يبحث عن المدعو القصيمي، فَقَد هُدِرَ دَمُه ولِقتله أجرُعظيم. فسألَهُ القصيمي إن قرأَ كِتابه أو جَالَسَهُ فقال “لا”. فاقام القصيمي عليه الحُجّة في أولويّة الأجر لأهل الفتوى أو أبنائَهم مِنهُ. وبعد أيّام، كَشَفَ القصيمي عن شخصيّته للرجل بعد أن شَعَرَ أن الشخص قَد فَقَدَ الحَماس لمشروعه بل وأعتذار مِن القصيمي.

فلسفته آخر حياته

ردد البعض أن القصيمي قد عاد إلى الإسلام آخر حياته، وعكف على تلاوة القرآن، ولكن المرافق للقصيمي إلى آخر لحظة في حياته; وقد أكد صديقه إبراهيم عبد الرحمن في مقابلةً مع “العربية.نت” انه كان يقرأ القران في اخر حياته بتاريخ 1 أكتوبر 2016 م،[4] ومن جهة أخرى قد نقل الكاتب عبد الله القفاري في مقالاته المعنونة بـخمسون عامًا مع القصيمي، في جريدة الرياض، قال:«سألته أخيراً: هناك من روج لفكرة تحول القصيمي في آخر أيام حياته وهو على فراش الموت، وأنت القريب منه حتى تلك الساعات الأخيرة في مستشفى فلسطين حيث ودع الحياة ؟! قال لي : هذه كذبة جميلة، روج لها البعض ليمرر اسم القصيمي على صفحات الصحف، في وقت كانت الكتابة عن القصيمي مشكلة بحد ذاتها، لقد حسم عبد الله القصيمي منذ وقت مبكر خياراته، لقد كانت كذبة جميلة تستهوي من يبحث عن فكرة التائب العائد، لكنها ليست هي الحقيقة على الإطلاق !![5]»

غير أن مجلة إيلاف الإلكترونية أجرت مقابلة مع السيدة آمال عثمان المسؤولة الإدارية عن قسم كبار السن في مستشفى فلسطين في مصر الجديدة، الذي كان يتعالج فيه المفكر القصيمي وفيه قضى نحبه، وسألتها إيلاف عن القصيمي فقالت:«لقد كان العم عبد الله القصيمي راجل زي العسل! وكان طيباً محترماً يخاطبنا نحن العاملون القائمون على خدمته بلغة راقية شاعرية، وكان يكثر المزح معنا، ويداعبنا بألفاظه الرقيقة، وكان يقول لي، أنكِ إذا تمشين فإن الأرض تدعو لك، وكان يدعو لنا بالتوفيق، ونصحنا كثيراً بأن نعيش بسلام ووئام، وأن نترفع عن الصغائر والضغائن، وقال لنا: أن الله يراقبنا من فوق، فعلينا أن نطهر قلوبنا من الحقد والحسد» وأضافت السيدة آمال تقول:«دخل الشيخ عبد الله المستشفى في يوم 12/12/1995 ولم يخرج إلا في يوم 9/1/1996 يوم أن توفاه الله» ورداً على سؤال مجلة إيلاف عن الكيفية التي كان المفكر يقضي فيها وقته إذا لم يكن لديه زائرون، قالت:«كان يقضي وقته في قراءة القرآن الكريم، الذي كان بجانبه طيلة إقامته في المستشفى، وكان في بعض الأحيان يقرأ القرآن الكريم بصوت مرتفع ويرتله ترتيلاً!! وأضافت أن الدكتورة نادية عبد الوهّاب، رئيسة القسم، كانت تجلس إليه أحياناً وتحاوره في كثير من الأمور الفكرية.» [بحاجة لمصدر]

أيضاً يجب الإشارة لشهادة ولد المفكر القصيمي الدكتور محمد بن عبد الله القصيمي التي أفادات أن والده قضى أيامه الأخيرة في مستشفى فلسطين يقرأ القرآن الكريم أغلب الوقت وأيضاً من نفس المصدر وهو مجلة إيلاف [بحاجة لمصدر]. تتضارب الروايتين حول عودته عن إلحاده فبين رواية صديقه المحامي ورواية السيدة آمال عثمان المسؤولة الإدارية عن قسم كبار السن في مستشفى فلسطين في مصر الجديدة التي أكدت أنه كان يقرأ القرآن، لا يمكن التأكد والجزم حول النهاية العقائدية للمفكر عبد الله القصيمي.

وفاته

توفي بعد صراع مع المرض في 9 يناير 1996 في مستشفى فلسطين بمصر الجديدة بالقاهرة، ودفن كما أوصى بجوار زوجته في مقابر باب الوزير بـ مصر.

قالوا عنه

قال في حقه الشيخ حسن القاياني” مجلة المقتطف – العدد 10 فبراير 1947” :

   معسكر الاصلاح في الشرق، قلبه هو السيد القصيمي نزيل القاهرة اليوم، نجدي في جبته وقبائه، وصمادته وعقاله، إذا اكتحلت به عيناك لأول التماحته، قلت : زعيم من زعماء العشائر النجدية، تخلف عن عشيرته، لبعض طيته، حتى إذا جلست إليه فأصغيت إلى حديثه الطيب أصغيت إلى عالم بحر يفهق بعلم ديني واجتماعي، تعرفت إلى العلم النجدي القصيمي، فجلست إليه مرة ومرة، ثم شاهدته كرة، فناهيك منه داعية إصلاح، أكثر ما يلهج به الشرق وأدواؤه وجهله ودواؤه، لم أقض العجب حين شهدت القصيمي من عربي في شمائله، ملتف في شملته، يروعك منه عالم في مدرسته، كاد يحيلني شرقياً بغيرته الشرقية، وقد بنيت مصرياً، حيا الله السيد القصيمي، ما أصدق نظرته إلى الحياة وأبعد مرماه في الهداية.   

وقال أيضاً في مدح القصيمي الشيخ عبد الظاهر أبو السمح المدرس سابقا بالمسجد الحرام ومُدير دار الحديث بِمَكّة قبل أن يتحول عن تدينه وبعد تأليفه كتاب الصراع :

ألا في الله ماخط اليراعلنصر الدين واحتدم الصراع
صراع لا يماثله صراعتميد به الأباطح والتلاع
صراع بين إسلام وكفريقوم به القصيمي الشجاع
خبير بالبطولة عبقريله في العلم والبرهان باع
يقول الحق لا يخشى ملاماًوذلك عنده نعم المتاع
يريك صراعه أسداً هصوراًله في خصمه أمر مطاع
كأن بيانه سيل أتيّتفيض به المسالك والبقاع
لقد أحسنت في رد عليهموجئتهم بمالا يستطاع

وقال في حقه – متأسفاً على إلحاده – الشيخ ابن عقيل الظاهري :

   أرجو له في شخصه أن يهديه الله للإيمان قبل الغرغرة، فتكون خاتمته حسنة إن شاء الله، فإن هذا الرَجُل الذي ألّف ” الصِّراع بَين الإسلام والوَثنية ” مِمّن يؤسف له على الكفر.   

ونظرا لما أثاره فكر القصيمي من معارك ثقافية تناولته دراسات أكاديمية منها رسالة دكتوراه لأحمد السباعي بعنوان “فكر عبد الله القصيمي”، ودراسة للألماني “يورغن فازلا” بعنوان “من أصولي إلى ملحد”.

أقواله

كتب عن الثورة والثوار فقال:

   إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية، إن الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته، إنها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد، إن الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها، إن الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة أعصاب ووقار مجتمعها. الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون، إنهم يتحدثون عن الحرية والاستقامة، وهم أقوى أعدائها، وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق ومن يمارسون الكذب ويجزون الكاذبين مثلهم! وعن حقارة النفاق وهم احسن من يزرعونه، ويستثمرون، ويتعاملون معه، وعن الرخاء مع أنهم من أذكى من يبتدعون جميع أسباب الإفقار والأزمات والحرمان، وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، إنه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً، ويتحدثون عن العدل والحب، وهم يعنون بهما تخويف كل الطبقات، وقهرها، وسوقها لمصلحة كبريائهم، وأحلامهم.   

من كتابه – هذه هي الأغلال

   إن المسلمين يقفون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يستفيدوا من التراث العلمي للبشرية أو أن يبقوا متخلفين جهلة، ولكي يتخلصوا من الركود الذي هم فيه، ما عليهم إلا أن يعرفوا أنه لا يوجد معرفة ضارة ولا جهل نافع، وأن كل الشرور مصدرها الجهل وكل الخير مصدره المعرفة.   

من كتابه – العالم ليس عقلا

   سيجد القارئ في هذا الكتاب أمثال كلمات : إله ,آلهة، دين، أديان، نبي، أنبياء. وقد يشعر أحيانا أنها كلمات لا تحمل الاحترام الواجب لهذه الأسماء، أو ان فيها شيئا من التهوين والمساس. لهذا ظننت اني ملزم بوضع تصحيح صغير لهذا الذي قد يعدلدى فريق من القراء التباسا. اني لا يمكن ان اعني بالإله أو الآلهة إله الكون وخالقه وواهبنا الحياة والعقل والخيرات الجمة. وإنما أعني بذلك الطغاة أو الأصنام أو الأوهام أو النظم الاجتماعية المتأخرة الظالمة المنسوبة إلى الإله. وكذلك أعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير أديان الله وأنبيائه. هذا تصحيح أسجله على نفسي كاحتياط مبالغ فيه جدا.   
   إني أنقد لأني أبكي وأتعذب، لا لأني أكره وأعادي. أنقد الإنسان لأني أريده أفضل، وأنقد الكون لأنه لا يحترم منطق الإنسان، وأنقد الحياة لأني أعيشها بمعاناة – بتفاهة، بلاشروط، بلا اقتناع، بلا نظرية.   

مؤلفاته

البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية.شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام. الفصل الحاسم بين الوهّابيين ومخالفيهم مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها نقد كتاب حياة محمد لهيكل، القاهرة، 1935 م، عدد الصفحات: 70 صفحة.الثورة الوهّابية الصراع بين الإسلام والوثنية. كيف ضل المسلمون. هذي هي الأغلال. يكذبون كي يروا الله جميلا. العالم ليس عقلاً .كبرياء التاريخ في مأزق.هذا الكون ما ضميره .أيها العار إن المجد لك فرعون يكتب سفر الخروج. الإنسان يعصي.. لهذا يصنع الحضارة.عاشق لعارالتاريخ.العرب ظاهرة صوتية.الكون يحاكم الإله. يا كل العالم لماذا أتيت؟له أيضا (الرسائل المتفجرة) أيها العقل من رآك. بالإضافة إلى كتاب : لئلا يعود هارون الرشيد.

المصادر

  1. ^ http://data.bnf.fr/ark:/12148/cb14452438q — تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2015 — الرخصة: رخصة حرة
  2. ^ جورج طرابيشي، المرض بالغرب، التحليل النفسي لعصاب جماعي عربي، دار بترا ورابطة العقلانيين العرب، ص69، 2005
  3. ^ عبد الله القصيمي، من الوهّابية إلى الإلحاد الألوان، تاريخ الولوج 21 فبراير 2012
  4. ^ صديق الكاتب السعودي عبد الله القصيمي يفتح خزائن أسراره – من موقع قناة العربية
  5. ^ جريدة الرياض، الاثنين 12 جمادى الآخر 1429 هـ -16 يونيو2008 م – العدد 14602

للمزيد من الإطلاع

  • عبدالله القصيمي: التمرد على السلفية. تأليف: يورغن فازلا
  • خمسون عاماً مع عبدالله القصيمي، تأليف: إبراهيم عبدالرحمن.
  • عبدالله القصيمي حياته وفكره”، تأليف: عبدالله القفاري.
  • عبدالله القصيمي الإنسان: محاولة لفهم عبدالله القصيمي. تأليف: مرثد أحمد الهندي.
  • عبد الله القصيمي وجهة نظر أخرى، للباحث سليمان الخراشي، إصدار مؤسسة روافد 2008.
  • ملخص حياة عبدالله القصيمي ورقة من بحث وإعداد الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي، موقع صيد الفوائد.
المصدر قوقل

صديق الكاتب السعودي عبد الله القصيمي يفتح خزائن أسراره

هذه حقيقة نسبه وأسباب إبعاده عن مصر وعدم تفكيره بالعودة للمملكة

هو الصديق المقرب للكاتب السعودي الراحل عبد الله القصيمي وكاتم أسراره. عاش لصيقاً ومرتبطاً به فكرياً وروحياً طيلة 50 عاماً، تأثر به، حتى إنه يحمل أقصوصات ورقية عمرها أكثر من 50 عاماً لكونها تحمل مقالة للمفكر الراحل. إبراهيم عبدالرحمن الكاتب والمحامي المصري هو سادن خزائن أسرار عبد الله القصيمي الكاتب الذي أثار الجدل وأثير حوله الجدل، ولدى عبد الرحمن معلومات عن الراحل يستعرضها لأول مرة، ويروي لنا جانباً من سيرة الرحل وجانباً من ذكرياتهما معاً، وأسباب إبعاده عن مصر وأسباب عودته إليها وسبب عدم تفكيره بالعودة للسعودية.

يحسم لنا صديق القصيمي هويته وجذوره ويؤكد أنه نجدي الأصل والنسب، كما يروي جانباً من تفاصيل حياته في لبنان ولقاءات المنيل في مصر وأزمته مع الأزهر والصخب الذي صاحب كتابه “هذي هي الأغلال” وفتاوى إهدار دمه واغتياله. يقول عبد الرحمن “التقيت القصيمي وكان أول ما أعجبنى فيه وشدني إليه استماعه بمنتهى الجدية والاهتمام للأسئلة التي أطرحها سؤالاً وراء سؤال، ولم يستنكر كما استنكر الآخرون هذه الأسئلة”. ويضيف قائلاً “رويت قصتي الطويلة والمثيرة مع عبدالله القصيمي، منذ أن تعرفت إليه، وأنا طالب في المرحلة الثانوية في حلوان، إلى أن واراه الثرى جثمانه ونشرَ خبر نعيه في صحيفة (الأهرام) وذلك في كتابي (خمسون عاما مع القصيمي) وسردت فيه مساره وتحولاته الفكرية ثم السلفية ثم الإصلاحية ثم التحرر”.

في هذا الحوار مع “العربية.نت” يفتح إبراهيم عبد الرحمن خزائن أسرار الكاتب السعودي الراحل ويجيب على أسئلة شائكة طالت حياة الرجل ونسبه وإبعاده عن مصر وأسباب تحولاته الفكرية.

وكان هذا الحوار التالي:

كيف بدأت علاقتك بالقصيمي وكيف توطدت حتى أصبحت من المقربين منه وكاتم أسراره؟

تعرفت على الراحل في حلوان عام 1950 حيث كان صديقاً شخصياً لخالي المرحوم فهمي شرف الدين، وكان يسكن بجوارنا وكنت في تلك الفترة في مرحلة المراهقة، وتولدت لدي تساؤلات كثيرة واستفسارات عديدة في الدين والسياسة، وسمعت عن القصيمي أنه رجل عالم ومفكر بارز، وأفكاره محل تقدير في مصر والسعودية وكان يحظى وقتها بتقدير شديد من كافة الجهات الرسمية والفكرية، حتى إن العاهل السعودي الراحل الملك سعود عينه مستشاراً له عندما زار مصر في العام 1946، ونشرت صورة له مع الملك الراحل على غلاف مجلة المصور المصرية، ثم تتابعت لقاءاتي بالقصيمي وكنا نلتقي كثيراً في الحديقة اليابانية في حلوان، وخصص يوم الجمعة من كل أسبوع لمقابلة الطلاب اليمنيين الوافدين الذين كانوا يدرسون في مدرسة حلوان الثانوية في ذلك الوقت، المهم أن لقاءاتنا استمرت كثيراً وقربني منه والتصقت به فكرياً وروحياً. في العام 1954 صدر قرار من السلطات المصرية بإبعاد القصيمي عن مصر وبقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وذهب وقتها إلى لبنان، ومن هناك كان يراسلني بصفة دائمه ويرسل لي مقالاته التي تنشرها له الصحف والمجلات اللبنانية، وعقب عودته لمصر مرة أخرى عام 56، كنت ضيفاً دائماً على ندوته الأسبوعية التي كان يعقدها في منزله الجديد الذي انتقل إليه بمنطقة منيل الروضة، كما كنت ضيفاً دائماً في لقاء الجمعة الذي كان يعقده مع أصدقائه وكذلك مع الطلاب اليمنين، وتبادلنا أنا والمفكر الراحل الزيارات العائلية، كما كان يزورني في مكتبي للمحاماة بمنطقة وسط القاهرة، حتى صارت علاقتنا أشبه بعلاقة روحية فقد أصبحت بالفعل من أقرب الناس إليه وارتبطت به فكرياً ونفسياً، لأني كنت أحترم وأجل أفكاره ومبادئه وتصرفاته وسلوكاياته الإنسانية لأبعد مدى.

القصيمي إبراهيم عبد الرحمن

القصيمي وصديقه إبراهيم عبد الرحمن

لماذا أُبعد من مصر ولماذا عاد إليها ولماذا لم يفكر في العودة للسعودية؟

كانت لقاءات القصيمي مع الطلاب اليمنيين الذين يفدون إلى مصر للدراسة تثير انزعاج المفوضية اليمنية في القاهرة، خاصة أن هولاء الطلاب كانوا على صلة بقيادات يمنية معارضة لحكم الإمام أحمد حاكم اليمن وقتها، كما أن بعض هولاء الطلاب على صلة بأهم قياديين في المعارضة اليمنية، وهما أحمد النعماني والقاضي عبد الله الزبير وطلبت المفوضية في برقية رسمية من الحكومة اليمنية التدخل لدى السلطات المصرية لإبعاد القصيمي عن مصر، لما يمثله من خطر – على حد قولها – نتيجة أفكاره التي تنادي بأن يفيق العالم العربي من سباته وغفوته، وأن يتخلص من التخلف الرهيب الذي يعيش فيه وجعله خارج العصر وأن يتسلح بالعلم والديمقراطية من أجل أن يكون له مستقبل في هذا العالم، وتصادف في ذلك الوقت أن سياسة مصر الخارجية عقب ثورة يوليو كانت تسعى لتوطيد العلاقات مع محيطها العربي والإفريقي والإسلامي وكانت مصر تعد لإنشاء حلف سياسي وعسكري يمني سعودي مصري لمواجهة التدخل البريطاني الذي كان يحكم اليمن الجنوبية، وذهب المرحوم صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة لليمن للاتفاق مع الإمام أحمد على التفاصيل وإقناعه بالانضمام للحلف فاشترط حاكم اليمن للموافقة على المشاركة في الحلف إبعاد القصيمي عن مصر، فوافق عبد الناصر وأبعد القصيمي الذي رحل إلى بيروت وبعد عامين تدخل الملك سعود لدى عبد الناصر لإعادة القصيمي لمصر. أما عن سبب عدم تفكيره في العودة للسعودية فيرجع ذلك لأن القصيمي وبعد صدور كتابه (هذي هي الأغلال) أثيرت ضجة حوله ولاقى انتقادات كثيرة وصدرت فتوى بإهدار دمه، لذا لم يفكر في العودة لبلاده.

في بيروت احتفى به المثقفون وعاش حياة رائعة ماذا تعرف عن حياته هناك ولماذا احتفى به المثقفون اللبنانيون؟

عندما وطأت قدمه أرض لبنان تعرف على الأستاذ قدري قلعجي الكاتب المعروف، وصاحب دار نشر وكان الوسيط في التعارف بينهما صديق شخصي للقصيمي كان يعمل في السفارة السعودية في القاهرة، وعن طريق قلعجي تعرف القصيمي على قادة الفكر والرأي هناك ومنهم ميخائيل نعيمة وأدونيس وأنسي الحاج وأحمد سويدان ويوسف الحوراني وجورج جرداق وسعيد عقل إضافة للزعيم الدرزي المعروف كمال جنبلاط، وأفسح لبنان للقصيمي مساحات واسعة لنشر أفكاره وخصصت صحفها ومجلاتها الثقافية مقالات وأبواباً ثابتة له حيث كان يكتب في صحف ومجلات “الأحد” و”الآداب” و”الحرية” وملحق صحيفة “النهار” الأسبوعي، وكانت تلك المقالات محل جدل ونقاش وينتظرها مثقفو لبنان لتبادل الرأي حولها ما أذاع صيت القصيمي ككاتب عربي متحرر الفكر يدعو لخروج العالم العربي من شرنقة التخلف والجهل والجمود العقلي والفكري، فضلاً عن أن القصيمي أصدر غالبية كتبه من بيروت ومنها كتابه الشهير “العالم ليس عقلاً”، وتوالت كتبه بعد ذلك حتى اندلعت الحرب الأهلية عام 1975، فبدأ في إصدار كتبه الأخيرة من فرنسا مثل “العرب ظاهرة صوتية”، و”يا كل العالم لماذا أتيت؟”.

وخلال حياته في بيروت – وهذا كان مفاجأه للقصيمي – كان مثقفو لبنان يشعرون بحنين المفكر الراحل لمصر واشتياقه للعودة إليها لذلك أرسلوا برقية لعميد الأدب العربي طه حسين يحثونه فيها على التدخل لإلغاء قرار إبعاد القصيمي وإعادته مرة أخرى لمصر، ولكن لم تفلح وساطات طه حسين، حتى تدخل الملك سعود، العاهل السعودي الراحل وأقنع عبد الناصر بإعادة القصيمي عام 1956.

في مصر، كيف كانت حياة القصيمي بعد العودة، ولماذا تجاهله مثقفوها على عكس ما حدث معه في لبنان؟

غير صحيح أن مثقفي مصر تجاهلوا القصيمي، بل احتفوا به وسأعرض جانباً من مظاهر ذلك الاحتفاء وحياته في مصر كانت كما ذكرت لك سابقاً رائعة، عاش كما يريد وكان ينفق من راتب ثابت خصصته له الحكومة السعودية، بعد فصله من الدراسة في الأزهر، بسبب مجادلته للشيخ الدجوي وتأليفه كتاباً يرد به على فتاوى الدجوي وكانت الحكومة السعودية ترسل له الراتب بصفة شهرية منتظمة وثابتة وكان ينفق منه على نفسه وأولاده، حيث تزوج من سيدة مصرية فاضلة وأنجب منها ولدين، وكان القصيمي مواظباً على عقد ندوة أسبوعية ولقاء الجمعة، لكن تعال إلى احتفاء المثقفين المصريين به وبكتبه ومنها كتابه الأشهر “هذي هي الأغلال”، فقد كتب المفكر المصري الكبير محمود عباس العقاد نقداً للكتاب رحب فيه بشده بأفكار الكاتب والكتاب، ونشرت مجلة الرسالة الأدبية التي كان يترأس تحريرها أحمد حسن الزيات المقالة كافتتاحية لها، كما خصصت مجلة المقتطف الثقافية العلمية الشهيرة التي ترأس تحريرها إسماعيل مظهر افتتاحية عددها الصادر في نوفمبر 1946 لعرض دراسة عن كتاب القصيمي، وكتبت “إنها أول مرة في تاريخ المجلة أن يعنى محرر من محرريها بكتاب يصدر، فتخصص له الصفحات الأولى من المجلة، هذه هي أول مرة تفرد مجلة (المقتطف) افتتاحيتها لكتاب يصدر سواء في الشرق أو الغرب ويرجع ذلك إلى أن هذا الكتاب هو في تقديرنا يستحق هذه المنزلة، وله أن يحتل تلك المكانة فلم يدر بخلدنا أن أستاذاً نابها مثل القصيمي يمكن أن يخرج على أهل هذا الزمان بمثل هذه الأفكار”.

كما نشرت مجلة المقتطف أيضاً في عددها الصادر في 10 فبراير من العام 1947 تحليلاً آخر لكتاب القصيمي بعنوان “هل الأغلال في أعناقنا؟” نقلت فيه كلمة لفضيلة الشيخ حسن القاياتي شيخ الأزهر فيما بعد يبدي فيها رأيه في الكتاب حيث قال “إن معسكر الإصلاح في الشرق طلعيته ابن خلدون باكورة الاجتماعيين وجناحاه السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذاه الإمام محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي أما قلبه فهو عبد الله القصيمي، نزيل القاهرة النجدي في جبته وقبائه وصمادته وعقاله، فذلك القصيمي إذا اكتحلت عيناك لأول التمحاته فستجده زعيم عشيرة من زعماء عشائر نجد، وإذا جلست إليه وأصغيت لحديثه الطيب فستجد عالماً بحراً يفهق بعلم ديني واجتماعي”. ومن مظاهر احتفاء مثقفي مصر بالقصيمي أيضاً ما كتبه الراحل أمين الخولي الأديب الكبير والأستاذ بكلية الأداب جامعة القاهرة فقد عقد ندوة لتحليل كتاب القصيمي، وقد كان شديد الإعجاب به وكتب رسالة بليغة للقصيمي يقول في بعض منها “قرأت كتابكم (هذي هي الأغلال) فأصغيت لتلك العبارات المدوية والهتافات التي تنطق بما يخافت به الأحرار همساً حين يقولون، ويكفون عنه عندما يكتبون، وأعجبت بتلك الشجاعة الأبدية، وذلك التفكير الحيوي الذي نتمنى أن يظفر كل متحدث عن الدين بنصيب منه”.

وكتب الأستاذ خالد محمد خالد وقد كان من أشد المعجبين بالقصيمي في مذكراته التي نشرتها صحيفة “الوفد” في 12 نوفمبر من العام 1992 يقول “وكان لي صديق سعودي متوقد الذهن والنبوغ هو عبد الله القصيمي ورغبت في أن يستعرض معي مقدمة كتابي، وهو أول كتبي، فأثنى عليه ومدحه كثيراً واقترح لي عنواناً للكتاب أيدته ووافقته عليه وهو (من هنا نبدأ)، وقد كان. وتم تغيير اسم الكتاب للعنوان الذي اقترحه القصيمي”. وكتب أنيس منصور في مجلة أكتوبر التي كانت يترأس تحريرها، في 22 أبريل من العام 1979 يقول “إن كاتباً عربياً قد وصف الأمة العربية بأنها ظاهرة صوتية إنه لم يبعد عن الحقيقة كثيراً”. وكتب أنيس في نفس المجلة في 13 مارس 1993 يقول “ولقد أعجبني كاتب سعودي في تحليله لأعماق الفكر العربي فأصدر كتاباً يجرح فيه ويشرح الروح العربية وكان عنوانه أصدق وصف للعرب وهو (العرب ظاهرة صوتية).

 القصيمي مع السلال

القصيمي مع السلال

وبعد وفاة القصيمي أصدرت مجلة ” إبداع” الصادرة من الهيئة العامة للكتاب، ويرأس تحريرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، ملفاً كاملاً عن القصيمي تضمن 3 مقالات عنه، أولها للدكتور سيد القمني بعنوان “عبد الله القصيمي صوت صارخ في البرية” والثاني للكاتب حسن طلب بعنوان “القصيمي قطرة الشك في صحراء اليقين” والثالث للكاتبة البحرينية فوزية رشيد بعنوان “القصيمي بعد رحيله كبرياء التاريخ في مأزق”.

لكن القصيمي لم يجد تلك الشهرة والواسعة لدي النخبة والأوساط الثقافية في الستينيات والسبعينيات وحتى الآن في مصر لماذا؟

السبب بسيط هو أن كتب الراحل عبد الله القصيمي ومنذ عام 1963 عندما أصدر كتابه “العالم ليس عقلاً”، وحتى الآن ممنوعة من دخول مصر، فلم يسمع أحد بها أو يقرأ له المصريون منذ آخر كتاب سمح به وقتها وهو كتاب (هذي هي الأغلال) عام 1946 ولا أدري حتى الآن ما سبب المنع.

قيل إن القصيمي ليس سعودياً، وقيل إن هناك روايات متضاربة بشأن ذلك، ما الحقيقة في أصل نسبه وإلى أين يعود؟

اسمع مني ولا تلتفت في هذه النقطة لشيء آخر. الحقيقة أن والد القصيمي كان معروفاً باسم علي الصعيدي. الدكتور أحمد السباعي وفي رسالته للدكتوراه التي كتبها عن القصيمي قال إن رواية المنجد التي شك فيها بنسب القصيمي جاءت سطحية وبعيدة كل البعد عن الموضوعية والنقد المنهجي، فيما ذكرت الدراسة التي أجراها الشيخ أحمد الجاسر صاحب صحيفة “اليمامة” وحقق فيها شجرة عائلة القصيمي أن الراحل ينحدر من أسرة بدوية من شبة الجزيرة العربية هاجرت لصعيد مصر ثم عاد أبناؤها في وقت لاحق إلى نجد، وفي الذكرى السادسة لرحيل القصيمي في يناير 2002 أصدرت صحيفة “إيلاف” الإلكترونية ملفاً كاملاً عن القصيمي أوجزت فيه مسار رحلة العائلة من خب الحلوة، حيث ولد القصيمي، إلى مقابر الوزير بمصر حيث ووري التراب. وفي ذلك الملف قال الصحافي وكاتب السير محرر ذلك الملف الأستاذ محمد السيف إنه من المسلم به أن القصيمي ينتمي لأسرة الصعيدي وهي ضاربة في العمق بنجد، ومنتشرة بين منطقتي حائل والمدينة، مضيفاً أن المؤرخ عبد الرحمن البطحي، وهو مؤرخ مقيم في عنيزة بالقصيم، يرى أن أحد أجداد القصيمي كان يعمل بالعقيلات (أي تجارة الإبل) بين مصر ونجد قبل قرون فنسب للمنطقة التي كان يذهب إليها متاجراً بالجمال، وهي عادة نجدية قديمة ومنتشرة في العديد من المدن النجدية ويؤيده في ذلك الباحث يعقوب الرشيد والمؤرخ إبراهيم المسلم، حيث يؤكدان أن هناك العديد من الأسر النجدية منسوبة لأقاليم خارج الجزيرة العربية فهناك العماني والتركي والمصري والشامي والرومي واليماني غيرها الكثير. وذكرت صحيفة “عكاظ” السعودية في حلقتها الأولى من سلسلة حلقات كتبتها عن القصيمي في 2003 أن بعض المصادر تؤكد أن عائلة الصعيدي العريقة تنتسب للعقيلات الذي كانوا يتاجرون في الإبل لمدة 400 عام حتى انقرضت تلك التجارة. الخلاصة أن القصيمي من عائلة نجدية نسباً.

القصيمي يلبس الجلباب

القصيمي يلبس الجلباب

زوجته المصرية هل أثرت عليه وهل تدخلت لتغيير مجرى حياته؟

على الإطلاق لم يكن لها تأثير بالغ في حياته فقد تفرغت لتربية الأبناء وهما محمد وفيصل وكانت بجوارهما هنا في مصر خلال الدراسة، وحتى خلال وجود القصيمي في لبنان كانت مع ولديها هنا في مصر، ورحل الولدان للدراسة في لندن ومن العاصمة البريطانية توجها للسعودية حيث تولى محمد عمادة كلية الطب بجامعة جدة، ويعمل الدكتور فيصل أستاذاً بكلية الطب جامعة الرياض، وأنا على تواصل معهما حتى الآن، أما والدتهما الفاضلة فقد انتقلت إلى رحمة الله قبل رحيل القصيمي.

القصيمي مع صديقيه

القصيمي مع صديقيه

من خلال قربك من الراحل القصيمي، ما أبرز السمات والصفات التي كان يتمتع بها؟

اتسم القصيمي رحمه الله عليه بالذكاء المتقد والنبوغ الفكري والتحرر والقدرة على قراءة الواقع جيداً واستشراف المستقبل والتنبؤ به، وكان مثالياً وإنساناً بمعنى الكلمة، ورغم أنه كان عالماً ومفكراً كبيراً، كان يعيش في شقة متواضعة وخصص كل حياته للقراءة والفكر وتأليف الكتب والدعوة للحرية والديمقراطية.

وكان القصيمي إضافة لذلك يعلم عن يقين وصدق ومن خلال قراءة الواقع والتنبؤ بالمستقبل أن المستقبل لن يكون في صالح العرب لو استمروا على نهجهم ولذلك تنبأ بهزيمة العرب في حرب فلسطين عام 1948، وكتب يقول “إن قضية اليهود يجب أن نهبها كل حساب وتقدير فمستقبل الصهيونية في فلسطين يحتمل أن يفتح لها الأبواب هناك بعون الغرب، وأن تحتشد فيها وتتجمع العصابات الصهيونية وتتكون كيفما شاءت فإذا أنتج المال والذكاء والعلم اليهودي ومعه الرؤوس اليهودية، التي تجمعت فيها خلاصة الثقافات والمعارف والمطامع الغربية والعالمية إذا أتيح ذلك كله أن يبسط سلطانه وأن يظهر قدرته وكفايته في هذه البلاد وهي أرض فلسطين الإسلامية العربية العاجزة والضعيفة فإن النتيجة حينئذ تكون معروفة وهي تدمير العرب في فلسطين تدميراً كاملاً وسلبهم كل شيء مما في أيديهم وتحت أيديهم، ولذلك يجب أن نأخذ المناعة الكاملة التي يكون في استطاعتها تدمير الغازين ومنافستهم منافسة تمنعهم من أن يتلمسوا لأقدامهم بيننا موضعاً”.

بعد إصداره كتابه “هذي هي الأغلال”، تحول القصيمي من إصلاحي إلى ثائر لماذا تحول بعد الكتاب؟

القصيمي قبل هذا الكتاب كان سلفياً، ولم يكن إصلاحياً والعكس هو الصحيح، إنه بعد تأليفه هذا الكتاب تحول إلى مفكر إصلاحي ففي البداية كان يرى أن العقيدة هي سبب النجاح، وبعد ذلك تيقن أن العقيدة هي سبب الصلاح وليس سبباً وحده للنجاح، لأن النجاح حسب وجهة نظره له أسباب أخرى يجب الأخذ بها وهو ما فعله الغربيون الذين لم يحققوا نجاحهم لصلاح عقيدتهم ولكن لبحثهم الجدي واجتهادهم وأخذهم بأسباب النجاح.

ماذا عن اللحظات الأخيرة في حياته، خاصة أنك كنت رفيقه في المستشفي حتى فاضت روحه لبارئها؟

في أيامه الأخيرة وأثناء اشتداد المرض عليه تم نقله إلى مستشفى فلسطين، ولم يكن يتحدث مع أحد ويقرأ القرآن حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 9 يناير 1996، وكانت وصيته التي نفذناها على الفور أن يدفن بجوار زوجته في مقابر باب الوزير بمصر.

القصيمي مع الشعراوي
القصيمي والشيخ الشعراوي

عن العربية نت- 28 /2/ 1443هـ

ابو ناصر الغامدي

خبرة 22 عاما في التحرير و الصياغة الشرعية و النظامية لجميع الدعاوي

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x