بشندي..أشبه بالأساطير لأشهر طبيب بالباحة
انطوت صفحة حياة أشهر طبيب عرفته منطقة الباحة (د . محمد أمين بشندي) – 83 عاما – بعد رحلة كفاح فريدة بدأت من مصر , ثم الطائف , فالباحة … إلى أن كبر سنه وترك مهنة الطب , ليستقر في جدة , حتى لقى وجه ربه بعد مغرب يوم الاثنين 25 ذي القعدة 1439هـ 7 أغسطس 2018 م .. لكن ذكراه وأعماله ومنجزاته , مازالت خالدة في ذاكرة الكثيرين .
مكان أول عيادة لـ د . بشندي في الظفير
والواقع أن منطقة الباحة كان لها المساحة الأوسع , من حكاية ذلك الطبيب الفريد من نوعه .. الذي جمع بين حذاقة الطب ومهارة كسب قلوب مراجعيه .. فكانت تلك هي كلمة السر , التي نفد من خلالها إلى أعماق شريحة واسعة من أهالي الباحة , الذين منحهم اخلاصه وحدبه , وبادلوه الثقة والحب .
د . بشندي .. وعلى يمينه الأمير سعود السديري , خلال جولة عمل بالباحة 1962
ومنذ العام 1962 وهو العام الذي وطئت قدماه لأول مرة منطقة الباحة , بدأت حالة من العلاقة الحميمية العجيبة , بين طبيب يعشق مهنته , ويؤدي عمله بكل اخلاص وأمانة .. وبين مراجعين وجدوا على يديه بعد توفيق الله وارادته الشفاء من كل مرض كانوا يشكون منه .. حتى تحول د . بشندي إلى ما يشبه الأسطورة .. فهو – باختصار شديد – كان يعالج كل مرض ومريض .. وكان الله يوفقه إلى العلاج المناسب الناجع .
عيادة د . بشندي بالشارع العام بالباحة
حكاية د . بشندي بدأت من جامعة عين شمس في مصر , عندما حصل منها على بكلوريوس الطب والجراحة وكان الثالث في ترتيب أوائل الناجحين على دفعته مع مرتبة الشرف , ومن زملائه في الجامعة أطباء سعوديون ومنهم : د . عبدالرحمن بخش , د . محمد عرفان , د . مهدي باصي , د . سليمان فقيه , د . ناجي عبدالرزاق … وأخرون .
وكان والده (م . أمين بشندي) قد سبقه في القدوم للسعودية من مصر قبل قدوم ابنه د . محمد بشندي بحوالي 25 سنه , ليعمل مستشارا مع الوزير الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ … و م . أمين بشندي هو من أنشأ مع محمد مطبقاني بموافقة ودعم الوزير آل الشيخ المعهد الفني الملكي بالرياض , والذي كان نواة التعليم الفني والمهني بالمملكة .. وآل بشندي ينتسبون لعائلة “سالمان” من المدينة المنورة , انتقلوا إلى مصر قبل سنوات طويلة .
د . بشندي .. مع والده في الباحة عام 1385هـ
ونعود إلى د . محمد أمين بشندي – الطبيب الشهير – فقد قدم إلى السعودية , ليعمل أولا طبيبا في مستشفى الملك فيصل بالطائف لمدة عامين وكان النجاح والتوفيق حليفه منذ اللحظة الأولى .. ثم تم نقله مديرا لمستشفى الأمراض النفسية بشهار بالطائف لمدة حوالي عام .
ثم انتقل عمله إلى منطقة الباحة مديرا لمستوصف بلدة الظفير , وكان مقر المستوصف في بيت عبدالله الجيلاني وأخيه .. ثم تم السماح له بإقامة عيادة خاصة إضافة إلى عمله بالمستوصف , أقامها في الدور الأرضي بأحد بيوت علي بن ثفيد بجوار ثانوية السروات سابقا , أما الدور الثاني فكان مقر سكنه .
وعمل إلى جانبه بالمستوصف – حينذاك – الممرض السعودي غرم الله الشويلي (من أهالي الظفير) أكتسب المهنة بالخبرة , وعمل معه أيضا أخيه علي الشويلي كأحد العاملين بالمستوصف , ثم أعقبه كممرض سفر بن طلميس … أما سائق سيارة الإسعاف فكان حمدان عبدالخالق الغامدي , وأعقبه محمد بن طلميس .. وكان الدكتور بشندي – حينها – هو الطبيب والصيدلي والمحاسب معا , كان ذلك خلال الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي .
شهادة شكر وتقدير
ثم بعد فترة من الزمن فتح عيادة خاصة في الشارع العام بمدينة الباحة , في بيت من الحجر لابن مشهور , ثم انتقل بعيادته 20 مترا إلى الأمام , وفي بناية بيضاء بالدور الثاني منها مملوكة لتركي بن ملة ليستقر فيها بعيادته عدة سنوات , فيما كانت بالدور الأرضي صيدلية غرامة بن سعيد , والذي كان يقول : أنا افتح صيدلية في أي مكان تكون فيه عيادة الدكتور بشندي .
وقال لي أ . عبدالله محمد سعيد الشاعر (متقاعد من شركة الإتصالات) : إن خاله عبدالله عبداللطيف الشاعر .. كان أول من أقام صيدلية في غامد وزهران , وقد أقام صيدلية أمام عيادة د . بشندي في سوق الثلاثاء بالظفير , وكانت تربطه علاقة صداقة قوية هو وآل الشاعر بالدكتور بشندي , الذي قال إنه كان مثالاً للإخلاص والطيبة , وحتى في استقبال الناس في بيته بكل أريحية .. مشيراً إلى أن وصول د . بشندي للباحة لأول مرة كان في عام 1381 هـ .. وقدم خدمة طبية كبيرة لأكثر من 1300 قرية , بغامد وزهران وبني مالك وبالقرن وتهامة , كانوا كثيرا ما يراجعونه بالباحة .
سيارة جيب شبيهة بسيارة د . بشندي في الثمانينيات الهجرية
وأضاف : أن الباكستاني عبدالحق , كان من عمل ممرضا مرافقا للدكتور بشندي , وفي تنقلاته بسيارة جيب للدكتور , أما زوجة عبدالحق فكانت أول قابلة تعمل في مساعدة النساء على الولادة .. وقال : عند افتتاح مستوصف الظفير لأول مرة لم يكن هناك مديرية للشؤون الصحية , فكان د . بشندي يعمل كمسؤول مندوبية ومديرا وطبيبا بالمستوصف .
د . بشندي .. في زواج حفيده أحمد نبيل
وكسب الدكتور بشندي ثقة أهالي الباحة وخاصة بسطاء الناس , الذين كان منحازا لهم , ويعاملهم بكل أمانة وإخلاص وشرف المهنة .. ونشأت صداقة بينه وبين أمير الباحة حينها الأمير سعود بن عبدالرحمن السديري – رحمه الله – الذي كان منع أكثر من مرة عملية انتقاله من الباحة , بعد أن تيقن الأمير من اخلاصه وحاجة المنطقة له .. وفي تلك الفترة حصل د . بشندي – على الجنسية السعودية .كبار السن في الباحة ما زالوا يحملون في ذاكرتهم الكثير والكثير من الذكريات الحميمية , التي نشأت بينهم وبين الدكتور بشندي , الذي عمل كما لو كان طبيبا نفسيا حميميا أكثر من كونه جراحا وطبيبا عاما .. حيث كان يستغرق وقتا طويلا في تشخيص مرض كل واحد من مراجعيه , في حوار مملوء بالمودة والحرص والدقة , من منطلق فلسفة خاصة اختطها لنفسه , وهي : أن تشخيص المرض يوازي ثلاثة أرباع العلاج .كان يقول لمن حوله في مجالسه الخاصة : أنا عرف جزءا كبيرا من متاعب المريض منذ ان أراه للوهلة الأولى , ومن نظراتي إلى عيونه .. وكان يبحث عن أفضل وأرخص الأدوية ثمنا لمرضاه , وظل يرفض اغراءات وهدايا بائعي الأدوية , الذين عادة ما يتمنون على الطبيب شراء وصرف أدويتهم … كان متمسكا بشرف المهنة .
وفي الباحة كان د . بشندي إضافة إلى عمله بالمستوصف والعيادة الخاصة , كان طبيبا لنزلاء السجن العام , وأيضا الطبيب الشرعي , وفي مرات كثيرة كان ينزل بالتكليف إلى تهامة لمعينة جثة متوفى .
ومن عجائب د . بشندي أنه كان يشخص من دون الحاجة إلى صور الأشعة التي لم تكن متوفرة وشائعة بكثرة حينها , وحدث أن شخص – كمثال – حالة قيادي عسكري كبير بالباحة بأنه مصاب بالتهابات في الاثني عشر والمرارة .. بينما تم تشخيصه في الطائف على انه يعاني من قرحة بالمعدة , لكن عندما سافر ذلك المريض إلى بريطانيا شخصوا متاعبه بمثل ما كان قد شخصها الدكتور بشندي , وهو الذي لا يملك أجهزة .
ابنه الأكبر .. نبيل
كما ان للدكتور بشندي مؤلفات ولكنها في غير مجال الطب , إذ خط أربعة كتب وعدة مطويات , كلها في العقيدة .. منها كتاب تبسيط التوحيد , والذي حصل علي ترخيص له بالطباعة وتمت طباعته أربع مرات وتوزيعه .. وكتاب احذر الشرك .. وكتابين أخرين كان علي وشك المراجعة والانهاء منها , وعديد من المحاضرات الصوتية كان يتمني انزالها علي قناة باليوتيوب , يسميها تبسيط التوحيد .. وقد أوصي بان تكون حقوق الطباعة والنسخ مجاناً لأي مسلم يرغب نشر العلم الشرعي
في العزاء .. أبناؤه الثلاثة (نبيل , نور الدين , د . عادل )
وقال لي ابنه الأكبر أ . نبيل (وهو الذي استقيت منه معظم هذه المعلومات) : لقد كان من أعز أصدقاء والدي الأمير سعود السديري , والشيخ صالح بن الرقيب (من الغشامرة) رحمهما الله .. واحمد وعبدالله المزروع , والدكتور محمد عرفان , والشيخ عبدالله بن عبيد حفظهم الله .وكذلك عبدالله بن عبداللطيف الشاعر, والشيخ عبدالرزاق عفيفي نائب الشيخ بن باز, والشيخ حسن العتمي, والشيخ احمد بن يحيي, والشيخ عبدالرحيم بن جابر, والشيخ عبدالعزيز بن عبدالهادي, والدكتور ناجي عبدالرزاق , والشيخ أحمد صلاح جمجوم , والشيخ عمر بادحدح , والدكتور محمد عبده يماني رحمهم الله جميعاً … وقال : إن لقد كان لآل الشاعر مكانة خاصة في قلبه إضافة إلى الكثير من الأحبة .
اجازة كتابه تبسيط التوحيد
وكان يحب أهل وشيخ بيضان ويثني عليهم كثيراً.. وكان يحب أهل زهران ويثني عليهم بان فيهم طيبة وبساطة ونخوة .. ويحب أهل غامد ويثني على وفائهم وجدهم واجتهادهم .له من البنين : نبيل .. مترجم ورجل أعمال .. د . عادل صيدلي ومدير شركة جلينمار للأدوية بالمملكة .. نور الدين متقاعد من أمن المحطات الخارجية بالخطوط السعودية .. وبنت واحدة هي سندس , متزوجه من د . م . عبدالعزيز عسيري استشاري هندسة النقل والمرور بالمملكة .تزوج بالسيدة سامية بنت ابراهيم عبدالعزيز الشربيني , والتي عملت بعدة مدارس , منها معلمة ببني فروة , ومتوسطة الريحان , ومساعدة بابتدائية المزرع , ومديرة ثانوية ومتوسطة دار الجبل والرمادة
مصحفه الذي لازمه 50 عاما
اسلم الروح لبارئها في داره بجدة , وفي ذات التوقيت الذي درج فيه يوميا على مراجعة مصحفه العتيق , في فترة ما بعد صلاة المغرب , ليوم الإثنين 25 ذي القعدة 1439 هـ .. وهو المصحف الذي لازمه لحوالي خمسين عاماً , في حله وترحاله .. وأعاد أبناؤه تجليده عدة مرات ..رحمه الله رحمة واسعة .
عن إشراق لايف – بخيت طالع الزهراني