الأدب والتاريخ

المغامر.سامي الطخيس. طاف أمريكا الجنوبية وعاش لحظات موت محقق.. تعرَّف على قصته

نتيجة بحث الصور عن سامي الطخيس

نصح الشباب بقوله: حققوا أحلامكم واقضوا على الخوف وعيشوا واستمتعوا بحياتكم

خالد خليل – الرياض66365,574

يقرأ الإنسان الكثير من القصص التي ترويها الكتب عن أدب الرحلات، وعن أشخاص ذهبوا إلى شمال الأرض وجنوبها.. وتحمل موسوعة جينيس (وهي ما تختص بالأرقام القياسية في العالم) نحو ما يقارب 2365 رقمًا قياسيًّا في عالم الترحال والسياحة والأعمال البشرية شديدة الغرابة في دروب السفر.

البداية.. عناء

التقت “سبق” أحد الشباب الذي انطلق في طريق غاية في الغرابة.. هذا الشاب حلم بشيء غريب جدًّا.. تبدأ قصته من تخرجه في الجامعة، وبحثه عن العمل، وبعد عناء عمل في وظيفة مرموقة بأحد البنوك الشهيرة في الرياض يقول هذا الشاب: تعلمت في بلدي، وتعثرت بالثانوية، وأعدت الثانوية، وحاولت وأخيرًا، ونجحت، ولم أكمل تعليمي الجامعي في السعودية.وأضاف: قررت السفر لأمريكا بأي حال من الأحوال. درست علم النفس بالجامعة بعد أن رُفضت ثلاث مرات، ومكثت أول عامين على نفقتي الخاصة، وبتكاليف باهظة، والتحقت ببرنامج الابتعاث آخر عامين لي، وأخيرًا عدت لوطني لأجد نفسي جالسًا على مكتب فاخر في بنك، وهذا لم يشبع طموحي؛ فدرست اللغتَين الإنجليزية والإسبانية بجانب العربية؛ وأصبح لدي ثلاث لغات. وفي هذه الأثناء كان بداخلي رغبة في شيء ما.. أود أن أتطلع إلى عالم آخر في الثقافة والفن والتاريخ.. عالم لم يقدم عليه غيري.. أردت أن أفعل شيئًا مختلفًا.. غريبًا.. أردت أن أكون رقم واحد رغم أنني لست رجل أعمال أو من المشاهير. إنه الشاب الثلاثيني سامي الطخيس.

بائع أحذية

ويستطرد حديثه ويقول: عملت في مركز تجاري صغير بائع أحذية شتوية لمدة شهر، ثم عملت في المركز الترفيهي للألعاب بالجامعة، وكان راتبي 750 ريالاً، أي ما يساوي 200 دولار شهريًّا. وبمساعدة الوالد حصلت على الشهادة الجامعية، وما شعرت إلا بتقدمي في اللغة والتفاعل وصداقات متعددة. وعندما عدت لبلدي عملت أولاً مساعد رئيس تنفيذي بإحدى الشركات الكبرى.

اهتمامات مثيرة

ويكمل “الطخيس” القصة ويقول: اهتمامي العلمي انصبَّ في دراسة السلوك والعقل البشري والعلاقات البشرية.. وسبب اختياري قسم علم النفس أنه تفسير لأشياء عديدة، ومعاناة كثيرة، سواء اجتماعية أو غيرها. والحقيقة إن الأساس كان رسوبي في الثانوية بالسعودية.

ظهور مبكر

وقال لـ”سبق”: كنت إذا رأيت أحدًا من الرفاق معه كاميرا أجد نفسي أطلب منه استعارتها لدقائق، وألتقط لقطات رائعة حسب كلامهم هم. ادخرت مبلغًا، واشتريت كاميرا ليست احترافية في البداية، وبدأت دراسة التصوير عن طريق مقاطع اليوتيوب وبعض الكتب.

بداية الحصاد

كنتُ أنشر الصور التي ألتقطها عبر حساباتي على الإنترنت، وفجأة وجدت رسالة من إحدى المجلات الإيطالية الشهيرة، التي كانت قد أعدت تقريرًا صحفيًّا عن الطاقة الهوائية في البحرين، وطلبت الإذن باستخدام صورة لي، كنت التقطها لمبنى التجارة العالمي بالبحرين، ونشرت صورة لي، وشعرت بالفرح العارم، وأحسست ببداية الحصاد، ثم جاء لي طلب من وكالة “رويترز”، وطلبت صورة لي، وكانت عن مظاهرات مدينة دنفر الأمريكية، وبعدها قررت العمل بأحد استوديوهات أمريكا لمدة 7 أشهر، وهنا أصبحت هاويًا.

العودة للمملكة

وتابع: عدت للمملكة بعد انتهاء الدراسة، وعملت بأحد البنوك في البحوث التسويقية؛ فخلفيتي بعلم النفس واللغة الإنجليزية قدمت لي الكثير في هذا العمل الوظيفي. من هنا أصبح لي مصدر دخل ثابت، وكنت أحصل على المرتب، وأنتهر فرصة بأي إجازة وأحمل الكاميرا، وأسافر لدول غريبة، لم أعهد فيها زيارة للسعوديين، مثل تنزانيا ونيبال وبوتان.. وهي من أفقر بلاد العالم.وأكمل: تعجبت، ورأيت أهلها مجموعة من البشر يرتدون زيًّا موحدًا. وبوتان بلد غريب جدًّا، به مطار مختلف، ليس بمطار، وإنما حجرة بسيطة، ولكن شهدت ما لديهم من وطنية يفتخرون بها، رغم أنه لا يوجد بها أي نوع من التكنولوجيا.

القرار الأصعب والرحلة الكبيرة

ويقول سامي: عملت بالبنك، وجاءت لي فرصة لأزور بلدًا غير معروف للسعوديين، ولا نعرف شيئًا عنه، ورحَّبت بشدة، وسافرت إلى جواتيمالا، وعشت في إحدى القرى لمدة شهر في معهد لتعلُّم الإسبانية، ثم عدت إلى السعودية، وأكملت تعلُّم اللغة الإسبانية عبر شبكة الإنترنت. وهنا بدأتُ أجهز لأصعب قرار في حياتي، وهو السفر لقارة أمريكا اللاتينية، وليس لدولة واحدة.وواصل: وفي نهاية عام 1435 قررتُ الاستقالة من عملي، والسفر إلى الوجهات غير المعلومة. وهنا عارضني والدي ووالدتي ، ولكنني أصررت، وبدأت أبحث عن المعلومات والمطلوبات للسفر لأمريكا اللاتينية، فاحتجت إلى عدد من التأشيرات، بعضها مسموح لي من المطار، وجلست شهورًا لأعد لهذه الرحلة قبل السفر واحتياجاته ، وخططت ماديًّا، وحددت 3 أشهر لأتجول في الدول اللاتينية، وكان في حوزتي ما يقارب 20 ألف دولار لقضاء من 3 إلى 4 أشهر.

الرحلة المثيرة

اتجهت إلى جواتيمالا، وكانت أول محطة لي، وخططت أن أمكث شهرًا فيها، ولكن جلست فيها شهرين؛ لأتعلم اللغة الإسبانية، وأعيش مع أهلها. لم أجد عربيًّا هناك، وكان أهلها يعتبروني سفيرًا للعرب، وأحدهم لقبني بالجن الأسمر. وأغرب شيء وجدته هناك الاحتفال بالأموات بصورة كبيرة للغاية في مقابرهم المنتشرة في جميع أنحاء الريف؛ إذ يلونون مقابرهم، ويحتفلون بها، بل أصبحت مقابرهم مزارات سياحية. ومن أغرب الأشياء أيضًا لديهم أهرامات قديمة، تشبه الأهرامات المصرية، وتوجد في قرية يطلق عليها “تكال”. ومن جانب آخر، أثناء مرورك بالشوارع لك أن تشاهد لهيب البراكين التي تصل إلى 15 بركانًا، منها 11 بركانًا نشطًا. وأيضًا يحبون القهوة مثلنا تمامًا.

المحطة الثانية: بلاد عفريت الماء

استكمل سامي قصته، وقال: كانت المحطة التالية هي بلاد عفريت الماء “المكسيك”. وقصة عفريت الماء هذه هي وجود نوع من الضفادع منقرض تقريبًا، أو من السمندل، لا يزال يعيش فقط وسط المكسيك. ويمكنك مشاهدة هذه المخلوقات الصغيرة في مزارع الأزتيك. وعن تعاملهم مع العرب قال: تعاملهم كان طبيعيًّا جدًّا؛ فالعرب مقبولون للغاية لدى الشعب المكسيكي.

الدولة العدو

وقال: بعد رحلتي إلى المكسيك قررت الاستمرار حتى أنتهي من الوصول إلى أبعد نقطة في الأرض. وهذا القرار أرغمني على أن أنتقل في ربوع أمريكا اللاتينية بدون طائرة؛ إذ انتقلت بالباص أو بالسيارة أو البواخر. وبدأت الرحلة من دولة بيليز، وهم بالأساس أفارقة، والدولة الوحيدة التي تتحدث الإنجليزية، ويعتبرها بقية الدول عدوًّا لدودًا.

الأمواج الجبلية

انتقلت من دولة بيليز إلى جواتيمالا لعدم وجود طرق مباشرة إلى السلفادور. وتلك البلاد تعرف ببلاد الأمواج العاتية، التي ربما تصل ارتفاعها إلى 20 مترًا، ويأتي إليها هواة ركوب الأمواج.

أعنف شعب على الأرض

ومن السلفادور إلى هندوراس، وهي أعنف دول العالم؛ فأغلب شعبها فقير للغاية، ويعيش على الجريمة. وقد حذروني منها، وكانت أخطر محطاتي، ولكن قررت المغامرة، ورأيت عاصمة القتل في العالم، وهي مدينة سان بدرو سولا في شرق الهندوراس.

بلاد الميسكيتو

وأوضح: انتقلت إلى نيكارجوا. وأغرب شيء هناك مجتمع الميسكيتو وعاداتهم الفريدة. إنهم يعيشون منذ 3 آلاف عام بالعادات والتقاليد نفسها، ومنها مثلاً تحية الأصدقاء أو الأقارب بملامسة الخد‏، ثم يأخذ الشخص نَفَسًا عميقًا بعد هذه التحية، وإن لم يأخذ هذا النفس يُعتبر الشخص الآخر غير مرحَّب به.

الغابات المفقودة

وعبر الحافلة انتقلت إلى كوستاريكا، والمعروف عنها أنها بلد الغابات الاستوائية الرهيبة، التي للآن لم يجرؤ أي إنسان على دخولها. وتتميز بسواحلها البكر على المحيط الهادئ والكاريبي.

بنما الأمريكية

وصلت إلى بنما، وهي من أفضل دول أمريكا الجنوبية، وأهم وجهة سياحية فيها قناة بنما التي كانت تديرها الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر المزار الأول، إضافة إلى الأسواق الكبيرة.

عاصمة المخدرات

يقول سامي: لما وصلت كولومبيا اعتقدت أنني سأرى شعبها يتعاطى ويبيع المخدرات، حسبما قرأت وسمعت، ولكن فوجئت بأن الناس لا يتعاطون شيئًا، وأن هناك حملات قوية من الشرطة على المتعاطين والمروجين، وتصل العقوبة إلى الإعدام. وحسب تعاملي مع أهل كولومبيا فإنهم يكرهون المخدرات، ويكرهون العصابات التي تقوم بالتهريب إلى بنما، وهي بلاد جميلة للغاية. واستغرب السكان من وجود سائح عربي وسطهم، وكنت حذرًا، وأرتدي ملابسهم حتى أُشعرهم بالطمأنينة.

الإكوادور وأكل الحيوانات

قال: عشت تجربة فريدة في الإكوادور؛ إذ اضطررت إلى أكل حيوان “الكوي”، وهو مثل الفأر، وهو وجبة أساسية، إن لم تأكله يشعرون بأنك غريب، ويرفضون التعامل معك.

أعلى أرض في العالم

ويحكي: انطلقت إلى البيرو، وهي بلد جميل، وتجولت بها كثيرًا لمدة شهر ونصف الشهر، ثم زرت إحدى عجائب الدنيا السبع، وهي قرية “ماتشو بيتشو”، وهي عاصمة قبائل الإنكا القديمة، ومن أروع الأماكن في العالم.

ثوران البركان

وصلت بوليفيا، وهي دولة داخلية، لا بحر فيها، ومعظمها جبال الإنديز، وبها أعلى عاصمة في العالم، وهي “لاباز”. وبصعوبة يمكنك التنفس في بوليفا، وكنت أرتب للوصول إلى دولة تشيلي في أقرب فرصة، وبالفعل وصلت تشيلي، وهي بلاد البراكين والجبال، وهي أطول دولة في العالم، ومن غرائبها أنه حينما في شمالها صيف يكون في جنوبها شتاء، وبها بحيرات غاية في العجب؛ إذ تختلف ألوانها من موسم إلى آخر. وسكنت في جبال بتاقونيا في الجنوب 8 ليالٍ، ووصلت لحلمي لأول، وهو الوصول إلى أبعد نقطة مسكونة في جنوب الأرض، وهي جزيرة “نافاريتو”.

بلاد المتي

وصلت لثاني أكبر بلد في أمريكا الجنوبية. والغريب أنك أينما تحركت في الأرجنتين تجد الناس في كل مكان يشربون المتي (مشروب مكون من حبوب مثل الشوفان وماء ساخن وسكر)، التي تشتهر بها الأرجنتين؛ لكونها من أكبر الدول المنتجة لها، وإنتاجها يصل إلى الدول العربية منذ عشرات السنين، ويلقى رواجًا كبيرًا، ولاسيما في سوريا ولبنان. وانتقلت إلى الأورجواي، ومنها للبرازيل.

شلالات الدول الثلاث

شاهدت معجزة لم أتخيلها، وهي شلالات “أجوازو”، وهي تطل على ثلاث دول، ووجدت هناك كثيرًا من العرب.

البرازيل العجيبة والموت المحقق

ويستطرد سامي قصته، ويقول: وصلت لخامس أكبر بلد في العالم من ناحية المساحة والسكان. وأهم شيء هناك هو الطبيعة، والمواقع الغريبة، والجغرافيا، وشلالات أكوازو بالبرازيل، والجبال، والأمازون، والغابات، والشواطئ.. كل شي موجود في البرازيل. وقصة موتي المحقق هي: عندما كنت في شاطئ “إيتا كاري” بالبرازيل في ولاية باهيا كانت الأمواج قوية جدًّا، استطاع الموج سحبي للداخل بشكل قوي، ووجدت نفسي أتنفس بصعوبة وأنا وسط أمواج عاتية، ولا أشاهد إلا السماء والموج؛ فانتابني شعور بأنني ميت لا محالة. ثم مر شريط من الخيال، وهو أن الحكومة البرازيلية ستخاطب السفارة السعودية لنقل جثتي، وكيف سيكون حال أسرتي من هذا الخبر. حاولت بكل قوة الخروج وأنا أرتجف بداخلي، فأخذت أسبح بكل قواي حتى تمكنت من الإمساك بالصخور إلى أن خرجت من المحيط والحمد لله. ومكثت في البرازيل 90 يومًا، وشاهدت كل شيء وأس شيء.. وأقولها: من لم يزُرْ البرازيل فكأنما لم يرَ شيئَا في حياته.

قُرب النهاية

بعد البرازيل قرأتُ عن ثلاث دول غريبة، هي: جايانا الفرنسية وسورينام وجويانا. قررت الذهاب إليها، ورأيت في الحقيقة مدنًا أوروبية، وبعضها يمكن أن تُدخَل بتأشيرة “الشنقن الأوروبية”، ومنها إلى جواتيمالا، وأخير واشنطن، ثم وطني أسرتي.

14 شهرًا

ويقول الطخيس: إن رحلتي استغرقت 14 شهرًا، وصلت فيها إلى مرحلة التشبع لرؤيتي كل شيء، ومعايشتي الجديد كل يوم، حتى أنني حينما أصبح يوميًّا أسأل نفسي ما الجديد الذي سوف أراه؟ ولكن الأسوأ كان في بداية رحلتي، هو الهاجس الذي ظل يلازمني، وهو الخوف من القتل ومن السرقة ومن أي اعتداء.. وهذا راجع للقراءة غير الصحيحة. وأنصح كل مغامر بالاستماع لذوي الثقة، ولمن زار المنطقة التي ينوي زيارتها. وما استفدته من تلك الرحلة أولاً: الثقة بالنفس، وتطوير مهنة التصوير لدي، وإتقان اللغات، وأثبت لأسرتي وأبي أنني ناجح وطموح.

طموح جديد

ويختم بقوله: بعد العودة من الرحلة ارتبطت بشركة فوجي فيلم وغيرها، والآن قمت أنا ومجموعة بتأسيس وكالة سفر وسياحة. وفي النهاية أقول للشباب السعودي: ما زالت الحياة بخير. تسلحوا بالإيجابية، وحاولوا مرة أخرى، وإن فشلتم فتأكدوا أنكم ستنجحون لاحقًا، وحققوا أحلامكم، واقضوا على الخوف، وعيشوا، واستمتعوا بحياتكم.

عن سبق -14 أغسطس 2017 – 22 ذو القعدة 143812:20 AM

ابو ناصر الغامدي

خبرة 22 عاما في التحرير و الصياغة الشرعية و النظامية لجميع الدعاوي

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x