أم هارون والعنصرية ضد اليهود..مقال يستحق القراءة. للكاتب المتألق .علي الشريمي
لماذا نحن العربان كلما أتانا عمل درامي يناقش موروثا أيديولوجيا أو تاريخيا ، تنتفخ أوداجنا وترتفع أصواتنا بالهجوم والجدل . منذ بداية شهر رمضان وكثير من الكتاب والصحفيين العرب ، ثارت ثائرتهم على مسلسل « أم هارون » حتى قبل مشاهدة المسلسل ، وبمجرد عرض حلقاته الأولى بدأ الهرج والمرج ، وأن ثمة مؤامرة تحاك في الظلام ضدنا . إنني أتساءل : ما الذي ثبت عقلية الضحية هذه في رؤوسنا ، حتى أصبح الحوار حول أي عمل درامي يتناول مثل هذه الموضوعات هو دسيسة صهيونية ، وكل نظر وتساؤل فيه هو في حد ذاته شبهة ؟ ! المسلسل يناقش في واقعة الوجود التاريخي لليهود في الخليج ، فبدأت الأسئلة ذات العقلية المؤامراتية تتهافت : لماذا يُعرض الآن ؟ لماذا تحديدا في هذا التوقيت بالذات ؟ إنه أمر مثير للشك والريبة ! ، وأخيرا تأتي النتيجة النهائية أن هذا المسلسل – بصرف النظر عن محتواه الدرامي هو في حد ذاته يحمل رسالة مبطنة ، مفادها أنها خطوة في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني ! . والأدهى والأمر من ذلك ، وما زاد الطين بلة ، أن إحدى القنوات الصهيونية أشادت وأثنت على المسلسل ، وهنا زاد لهيب النار عندنا ، وقد أوقدته التراحيب الصهيونية ، وبدأت شتائم الكروان في « تويتر » ، وحمي الوطيس في معاركنا الكلامية ، وكأني بهولاء الصهاينة الأوباش ينظرون إلينا وهم يضحكون ويقهقهون ، ويقولون : ما أسهل استثارة هؤلاء ، بكل بساطة يمكن تفريقهم . . لست متخصصا في الأعمال الدرامية حتى أناقش محتواها ، لكني – كمشاهد ومتابع – أجد أن العمل حَمَل أكثر مما يطيق ، فهو ليس بتلك القوة التي يمكن أن يُتهم بتهمة كهذه ، | القصة لا يبدو أنها من فئة الأعمال الدرامية التي توثق مرحلة تاريخية محددة ، لكن أعتقد أنها دراما خيالية تحاكي مرحلة تاريخية ، وهي ليست بالضرورة أن تكون انعكاسا عنها ، أو تقدم تصويرا دقيقا لتلك المرحلة ، هي قصة خيالية عن وجود أسر يهودية تعيش في الخليج في حقبة معينة ، دون الدخول في عملية توثيق تاريخية . لعل المسلسل أراد أن يوضح أنه ليس كل يهودي يؤمن بالعقيدة الصهيونية ، فاليهودية كديانة سماوية كان يدين بها كثير من العرب ، كما هي حال المسيحية والإسلام ، وعندما نقرأ التاريخ نجد كثيرا من اليهود كانوا يعانون من غلو العقيدة الصهيونية ، مثلهم مثل غيرهم من ضحاياها غير اليهود . كما أن بعضهم آمنوا بها كجزء من تراثهم الديني ، ولكنهم لا يؤمنون بتطبيقها على أرض الواقع ، كشرط مقدس لاكتمال الإيمان .
في الحقيقة ، من يريد أن يُعلي صوتا ويسجل موقفا ، لا يُعنصر القضية ويطيّفها ضد ديانة سماوية محترمة ، ويجعل منها شعارات الحرب دينية وفتح إسلامي لتحرير القدس ، ولسنا نحن بهذه السطحية وهذه الخفة ، أن نجعل عملا دراميا يحجبنا عن قضيتنا الأولى ، هي قضية الضمير الإنساني العام ، وهي مسؤولية أخلاقية لكل البشر بكل دياناتهم ، في إنهاء هذه الصورة البشعة الوقحة ، من الاحتلال والتطهير العرقي ، والاستيطان والقمع لأصحاب الأرض . ولن نكل أو نُمل ، حتى تصبح فلسطين مستقلة .
عن الوطن- 5 /5 /2020
ملاحظة: الكويتيين يعترفون بتواجد اليهود في فترة من الزمن