الأدب والتاريخ

أحمد الغيلاني.كتب مرثية نثرية في زوجته يرحمها الله (عظمة أنثى) إبداع أدبي.

أحمد الغيلاني

حين نكتب أو نقرأ عن الرموز التاريخية وعظماء البشرية واجب علينا أن نلتزم بطقوس الاحترام والإجلال فينحني الكبرياء قليلا أمام العظمة وترتقي الحروف لمقام الجلال وتتطهر الأجساد والنفوس من أدران النوازع اللاإنسانية فمهابة الغياب للعظماء أقدس وأجل من فخامة الحضور .. وحين امتطيت صهوة اليراع وغمسته في مداد الشريان لأخط به على صفحات النور والتاريخ كلمات الوفاء وعبارات العرفان لأعظم امرأة ولدها القرن العشرين كانت يدي ترتعش ونبضات قلبي تضطرب وحُقَّ لها أن تفعل فلم تكن معيضة الغيلاني مجرد امرأة من النساء بل كانت كل النساء في امرأة ..

امرأة جمعت بين أبهة الجمال وشموخ النفس وطهارة القيم ونقاء السريرة وعذوبة المنطق وسمو الأخلاق ورجاحة العقل وهيبة الحضور وحلاوة الروح وصلابة العزم وسكينة القلب ومتانة الدين وفيض اليقين وقوة المعرفة وعراقة النسب وواجهت الحياة بالحب والتسامح والثقة بالنفس والطموح والأمل والتفاؤل والإيمان الصادق وقوة العزيمة وقاتلت المرض بحسن الظن بالله والثقة به والتوكل عليه والصبر على قضائه والرضا بقدره والشوق للقائه واليقين برحمته وعفوه ..

امرأة ما أفسد تدينها الفطري الطاهر في حياتها حقد الصحوة وقبحها وما كسر وفاءها وحبها حسد الكثرة الغوغاء وخذلانها .. مرت في الحياة كوردة الأوركيد البيضاء يفوح شذاها الطيب على حقول الحياة ويستمطر نقاؤها سحائب الملائكية وتلهم من رآها كيف تتعايش الورود المختلفة شكلا ونوعا منسجمة متآلفة في حقل الحياة دون كراهية أو صراع .. نشأ الحب بيننا وبلغ ذروته من أول لقاء فامتزجت الأرواح وتشابكت القلوب وحطم الحب العذري حواجز الاختلاف وكسر فوارق الأفكار فانصهرت وإياها في نفسٍ واحدة تنعكس في أعين الرائين بصورتين خاطفتين امرأة محافظة ورجل تنويري .. إنه الحب يا سادة .. الحب الذي يهدم أسوار الاختلاف العمري والمعرفي والفكري فتختفي الفوارق كأن شيئا لم يكن .. لست وحدي من يعرف عظمة هذه المرأة فكل من عرفها شعر بعظمته في حضورها ونقصه في غيابها فقد كانت امبراطورية من الجلال يرتدي تاج الفخامة كل من أسعفه الحظ وكان ضمن معارفها .. بكاها الأحياء وابتهج برحيلها سكان السماء ممن سبقها إلى رحمة الله ورضوانه وكأنني بهم يتلقونها على سرر الألماس وأرائك الزمرد ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ..

وأنا أكتب عن رفيقة الدرب وشريكة العمر بعد ثلاث سنوات على رحيلها لا يعني أنني سأتوقف عن الحب أو أغلق باب الحزن على ذاتي .. فالوفاء ليس بالموت والإنكسار والتوقف عن العطاء والحياة كما يظنه المراؤن للناس الباحثون عن كلمة مديح من فمِ كاذب .. ولكن الوفاء اعتراف بعظمة الراحلين وتأبين لقصص الحب الخالدة وتأريخ لمواقف البطولة والوفاء الأبدية .. ثم ينطلق المرء بعدها للبحث عن قصة جديدة للحب والعطاء يملأ بها صفحات العمر لكيلا تأسن النفس وتخمج الروح ويطمس الفكر وتموت الذاكرة .. وقد حفرت بهذه الكلمات كوة في جدار شيدته الصحوة في أذهان الذكور حول معاملة النساء حتى أصبحن مجرد (عورة) و (شعر لحية) يُستحى من ذكرهن في الحياة أو تأبينهن ساعة الموت .. ولقد كانت هذه الكلمات غيضا من فيض امرأة لا تتسع لوصفها صفحات الكتب ولا يفي بحقها مداد المحيطات .. ولكنها تفتح باب الحياة أمام عشاق الكتابة وأصدقاء الحرف ومثقفي الوطن للقيام بحق الأنثى الذي دفنته شكوك الصحويين وضحالة فكرهم وفساد نواياهم وضعف ثقتهم بذواتهم وانكسار لغتهم وانحطاط قيمهم وبشاعة تطرفهم حتى أصبح الحب في مذهبهم جريمة والجمال آفة والسلام خطيئة والاختلاف قطيعة والحياة معركة .. وفي خاتمة الحديث رحم الله وجها أراه في جمال ملامح وطموح يمنى وأميرة وسمو أخلاق عبدالملك وعبدالإله وفروسيتهم وعلو همتهم .. وألتقيكم في قصة حب جديدة تطرق أبواب قلبي هذه الليلة مع زخات المطر والتي سأرويها حية لكم ذات يوم .. وكل عام وأنتم بخير
.

عن صحيفة ثربان -26 /10/ 1441هـ

ابو ناصر الغامدي

خبرة 22 عاما في التحرير و الصياغة الشرعية و النظامية لجميع الدعاوي

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x